كُتاب الرأي

وللبيت ربٌّ يحميه، وللحج رجال أمن مخلصون..

           

    وللبيت ربٌّ يحميه، وللحج رجال أمن مخلصون..

مع توجه ملايين المسلمين في كل عام، ومن مختلف أنحاء العالم إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، ذلك الركن العظيم الذي يجسد وحدة الأمة الإسلامية، ويجمع القلوب على الطاعة والسكينة والتجرد من الدنيا، وفي قلب مكة، حيث تتوافد القلوب قبل الأجساد، وتنجذب الأرواح قبل الأقدام، يقف البيت الحرام شامخًا، محفوظًا، محاطًا بعناية الله ثم برعاية حكومة المملكة العربية السعودية، برجال أمنها البواسل، ليكونوا سدا منيعا ضد كل من توسل له نفسه المساس بأمن ضيوف الرحمن.

“رجال أمننا الشجعان اليقظون يعملون بجد وإخلاص وتفان، يعلمون ويد الله مع أيديهم، وعين الله تحرسهم، يعملون وهم على يقين بأن للبيت رب يحميه.. فعلا ” للبيت ربٌّ يحميه” ليست العبارة مجرد عبارة، بل هي حقيقة نراها ماثلة في كل موسم حج، وكل يوم عمرة، وكل لحظة يقف فيها ضيوف الرحمن بأمان، يؤدون مناسكهم بخشوع وسكينة، قال الله تعالى:“أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ” [العنكبوت: 67] وذلك الأمن لم يكن فقط وعدًا إلهيًا، بل جعل الله له أسبابًا بشرية، وخصّ حكومة المملكة العربية السعودية بشرف خدمة الحرمين الشريفين، وخصّ رجال الأمن بشرف الحراسة والخدمة، فكانوا عيونًا لا تنام، وقلوبًا تخشى الله في ضيوفه، في كل زاوية من زوايا الحرم والمشاعر المقدسة.

هناك رجل أمن يبتسم لحاجٍ تائه، وآخر يحمل شيخا طاعنا بالسن، وآخر يرفع طفلًا، وآخر يُنظّم السير، وآخر يُسعف مريضًا، وآخر يُسهم في تفويج الحشود بحكمة وصبر، هم الواجهة المشرقة لبلاد الحرمين، ويد الدولة التي تحمي أطهر بقعة في الأرض، ومع كل هذا الجهد البشري المبارك، يبقى المعنى الإيماني حاضرًا في قلوب الجميع، أن البيت له ربٌّ يحميه. كما قالها عبد المطلب يوم غزت أبرهة مكة بفيلها العظيم، وظنّ أنها ستدك الكعبة، فقال: “للبيت ربٌّ يحميه.” فجاء الرد من السماء:“أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ” [الفيل: 1] “فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ” [الفيل: 5]

وهكذا، عبر التاريخ، ظل البيت الحرام محفوظًا، لأن الله تكفّل به، وجعل له جنودًا من خلقه، قال تعالى: “وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” [الفتح: 7] ولأن الأمن في الحرم ليس أمنًا عاديًا، بل عبادة تُحتسب، فقد قال النبي :وإن شرف خدمة الحجاج لا يناله إلا من خصّه الله بذلك، وكتب له أن يكون سببًا في راحة عباده الزائرين لبيته، وكل من يخدم الحرم، فهو شريك في الأجر، بإذن الله، وبين السعي البشري المبارك، والحفظ الإلهي المقدّس، يبقى البيت آمنًا، ويظل الحاج مطمئنًا، لأن هناك رجال أمن يعملون… وللبيت ربٌّ يحميه، وقداسة الحج فوق كل اعتبار، لأنه عبادة خالصة لله، تهدف إلى تحقيق مقاصد سامية من التوحيد، والمساواة، والتجرد من الفوارق الطبقية، والانشغال بذكر الله والطواف والسعي والوقوف بعرفة.

إن رجال أمننا يقفون في وجه كل من يسعى لاستغلال هذا الجمع العظيم لتمرير رسائل لا تمت بصلة إلى روح الحج أو أهدافه، ليكون الحج مظهرًا للوحدة الإنسانية والسلام.

ويقف رجال الأمن في المملكة العربية السعودية بكل حزم ويقظة، ليحموا الحجاج مما يعكر صفو هذه الشعيرة العظيمة. فهم لا يواجهون فقط التحديات التنظيمية والأمنية المعتادة، بل أيضًا يحبطون كل ما من شأنه مخالفة الدين.

إن على كل حاج أن يستشعر عظمة اللحظة التي يعيشها في هذه الأيام المباركة، وأن يبتعد عن كل ما يُفسد حجّه جدالا أو تعصبا، فالمسلمون جاءوا من شتى البقاع ليقفوا جميعًا تحت راية “لبيك اللهم لبيك” بكل خشوع وتواضع ومحبة.

ختامًا إن الحجاج جميعًا، ومن ورائهم رجال الأمن، شركاء في مسؤولية حفظ أمن الحج وقدسيته، حماية لهذه الشعيرة من الانحراف عن مقصدها، وصون لكرامة ملايين المسلمين الذين جاءوا ليعبدوا الله بيسر وسهولة.

           بقلم د. عبد الرحمن الوعلان ( معد برامج إذاعة وتلفزيون وكاتب )

 

 

 

الدكتور عبدالرحمن الوعلان

كاتب رأي ومسرح ومعد برامج ومشرف في ظلال المشهد المسرحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى