وزارة “وش يقولون الناس؟”

وزارة “وش يقولون الناس؟”
في مجتمعاتنا العجيبة، هناك وزارة غير مرئية، وزارة غير معترف بها، ولكن قراراتها نافذة أكثر من قرارات بعض الوزارات المتنفذة.
اسمها: “وش يقولون الناس؟”
هذه الوزارة تتحكم في تفاصيل حياتنا اليومية:
• لماذا لم تتزوج بعد؟
• لماذا لبست كذا؟
• لماذا غيّرت وظيفتك؟
• لماذا سكنت في هذا الحي؟
• لماذا لم تُقم عشاءً يليق بـ”سمعة العائلة”؟
• لماذا، ولماذا، ولماذا…؟ حتى تنسى من أنت، وتصبح ما يريده الناس!
“وش يقولون الناس؟” ليست جملة، بل قيدٌ يُوضع في معصم الطفولة، ويُشدّ مع كل مرحلة عمرية حتى يُصبح الإنسان موظفًا مدى الحياة في مؤسسة إرضاء الآخرين.
عندنا، الولد لا يختار تخصصه، بل تختاره أمّه خوفًا من أن تقول الخالة: “حرام، ضيّع عمره في الرسم!”
والفتاة لا تُفكّر في شغفها، بل في طول فستانها وعرضه، لأن “الناس تشوف”!
والموظف لا يستقيل من وظيفة تؤذيه نفسيًا، لأن خاله قد يقول: “ما عنده صبر”!
إننا نؤجر عقولنا للناس بالمجان، ثم نشتكي من ضيق النفس!
نعيش في منازل بناها الآخرون، ونلبس هويات مصنوعة على ذوق “المجتمع”، ثم نتساءل: لماذا نشعر بالاختناق؟!
الأكثر طرافة أن هذه “الناس” التي نخاف منها، لا تهتم فعلًا!
“الناس” التي نخشاها مشغولة بحياتها، لا تملك وقتًا لتفتيش حياتك، لكنها تُستخدم كفزّاعة لكل من أراد أن يخرج عن السرب.
بل إن بعضهم ينام وهو يعاني اكتئابًا حادًا… لكنه يبتسم في صورة “السناب”، لأن الناس لازم يشوفون أنه “عايش الجو”!
حتى المناسبات تحوّلت إلى عروض أزياء جماعية. الأعراس ليست فرحًا بل ماراثون تفاخر: من لبست أكثر؟ من طبخت أفخم؟ من أجّرت قصرًا أكبر؟
ولا يهم أن العريس عليه قرض حتى عام 2080، المهم الناس انبهروا.
إننا في حاجة إلى ثورة، لا على الأنظمة، بل على أنفسنا.
ثورة تقول: “دعوا الناس يقولون، وسأقول أنا من أكون”.
كفانا عبوديةً لأفواه لا تُطعم، وعيون لا تبصر، وألسنة لا ترحم.
كفانا خضوعًا لوزارة “وش يقولون الناس؟” فقد آن الأوان لحلّها بمرسوم من ضمير حيّ.
بقلم د. دخيل الله عيضه الحارثي