كُتاب الرأي

وجوه لا تُنسى

مع مرور الأيام وانقضاء ساعاتها، وتوالي أحداثها، يتعاقب الليل والنهار علينا، فنمضي في فلك الحياة بين الإدراك والتشتت، نركض أحيانًا ونتباطأ أحيانًا، نبحث، نطمح، نحاول الوصول، ونسعى إلى الإنجاز، فالغاية لا تُدرك بالمكث والمشاهدة فقط، بل بالعمل والمثابرة.

تتنوع آمالنا، وتتشعب أحلامنا، ولكلٍّ منا طريقه ومساره، يسير فيه بين العثرات والطموحات. خُلقنا للعمارة، واستخلفنا للبناء، لكننا مهما اختلفنا، هناك شيء يجمعنا جميعًا، محور خفيّ يربطنا دون أن نشعر، يظهر في لقاءاتنا، يترسخ في حياتنا، ويفرض وجوده بحكم تلاقينا في مختلف مجالات الحياة، سواء العملية، المهنية، العلمية، أو الاجتماعية.

إنه لقاء النُخبة، أولئك الذين لا يشبههم أحد!

هم فئة نادرة، جوهرهم ظاهر، ومعدنهم ثمين، لا يمكن تقدير قيمتهم، لأنهم ببساطة يمثلون الإنسانية في أنقاها، ويتنفسون العطاء كما يتنفسون الحياة، وكأنها تجري في عروقهم.

بمجرد رؤيتهم، يغمرنا الانشراح، ويغمرنا السرور، فهم يمنحون بلا مقابل، يحبون بلا شروط، يقفون دون نداء، ويأتون دون انتظار.

إن حضروا، توهّج المكان، وإن غابوا، خَفَت النور وتلاشى الدفء. إنهم السيف عند اشتداد الأزمات، والرداء عند الأوجاع، يضمدون الجراح، يجابهون الصعاب، يؤازرون، يفرحون، يرفعون من حولهم حين يسقطون، ويمدّون أيديهم حتى قبل أن يُطلب منهم. عطاؤهم نهر لا يجفّ، ولطفهم ظلّ لا يزول، لأنهم ببساطة… حقيقيون!

لا زيف في أقوالهم، ولا شك في أفعالهم، أصفى من الماء، وأبيض من الغيم، وإن لمسوا القلوب، تركوا فيها أثرًا لا يُمحى، وإن مرّوا في حياتنا، أصبحوا جزءًا لا يُعوّض.

فإذا حظينا بأحدهم، فقد ظفرنا بنعمة لا تقدَّر بثمن، ومن كان لديه أحدهم، فليتمسك به بكلتا يديه!

فالخسارة الحقيقية ليست في رحيلهم فحسب، بل في الفراغ الذي يتركونه خلفهم، في البرد الذي يعمّ المكان، وفي الضوء الذي يخفت شيئًا فشيئًا حتى لا يبقى منه سوى ذكرى مضيئة… في قلوبنا.

زايده حقوي

كاتبة ومؤلفة وقاصة

زايده علي حقوي

كاتبة ومؤلفة وقاصة ومشرفة الخواطر والقصة القصيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى