لا ترجع إلى الماضي أبدًا

وليد قادري
لا ترجع إلى الماضي أبدًا
من واقع القراءات للكتب التراثية القديمة ووصف الشخصيات التاريخية والخيالية في مختلف العصور والأمكنة، أجد تمجيدًا خفيًا لتلك الحقب الزمنية مقارنة بعصرنا الحالي لكنني أريد أن أعيرك نظرتي للموضوع:
كل أمر في العصور القديمة يتم حلّه بالحرب والقتال وإبراز القوة كثقافة شعبية وهناك تقدير عظيم للقوة في الأدبيات مثل الفرسان على حساب المفكرين مثلًا، فإن لم تكن لديك موهبة الفروسية والرماية والقتال بالسيف فأنت صيد سهل لا محالة..
الأشخاص المسالمين والمتصالحين إما أن يُقتلوا أو يتم إتهامهم بالضعف والخنوع أو ينعزلون في كهوف الجبال بعيدًا عن الخطر ليتفرغوا للتأمل والعبادة..
التحدث عن الخرافات والأساطير من وسائل الترفيه فلا تعجب لو وجدت أساطير نشأت من أمور بسيطة جدًا كمراقبة الرعد مثلًا أو ثورة بركان لتتحول لملحمة خيالية عن غضب الآلهة الوثنية ويدرج فيها أميرات وفرسان ووزراء خونة..
إن قررت الرجوع للماضي عبر آلة زمن فتذكر: لا يوجد مال وعليك أن تأخذ معك كمية ضخمة من الذهب لتعيش بمستواك الحالي، رائحة الشوارع قذرة، الناس لا يستحمون كل يوم ولا يستخدمون مزيل العرق أو فرشاة الأسنان (السواك وغيرها من البدائل ليست ثقافة شعبية)، ولا يوجد دورات مياه مريحة، أو حتى مطاعم بالمعنى المعروف والتنوع في الأكل محدود ولربما تمضي أيامًا عديدة لا تتناول فيها إلا صنفًا أو صنفين من الطعام فقط..
الشخصيات المشهورة حاقدة ومملة ولا تستحق أن تقضي معها وقتًا يذكر، فلا تتوقع أن تنتقل بين الشعراء والعلماء والملوك لتحادثهم كأقرانك، تذكر أنك من المستقبل وسيرونك شيطانًا متجسدًا أو ساحرًا على أقل تقدير..
الممالك صغيرة وقد لا تتعدى مساحة مدينة في عصرنا، بينما الإمبراطوريات شاسعة لكنها ظالمة وكل ثروات الشعوب تتجه لعاصمة هذه الامبراطورية بلا أي اعتبار للبقية في انتظار طاغية آخر يقوم بغزو هذه الامبراطورية وينشئ امبراطورية جديدة بنفس السيناريو الدموي..
الجمال نسبي، نظرة واحدة للفن قبل قرون قليلة لترى بنفسك أن النساء عاديات جدًا بمقاييسنا الحالية ووسامة الرجال في الأدبيات واللوحات لا تثير إعجابنا، لذلك ضع في الحسبان أنك تعيش حاليًا في عصر تصاهرت وامتزجت فيه الأعراق ببعضها لتنتج أجمل النساء اللاتي عرفهن التاريخ ولو عادت إحداهن للماضي لنصبوها سيدة الحسن والجمال وتزوجت ملكًا ولتضجرت لاحقًا من قرارها..
ستنتحر من الملل حيث لا كتب ولا موسيقى ولا أخبار ولا رياضات تنافسية ولا مكان تفرغ فيه كتاباتك الوجدانية..
إن تعرضت لأجواء شديد الحرارة أو مناخ شديد البرودة ستموت ميتة بشعة، فلا وجود لرعاية فائقة أو مستشفيات، وأظن أن الفيروسات تعيش أزهى عصورها في الماضي وستقتلك في أيام معدودات..
ولا أنسى أن وجودك هناك قد يغير المستقبل للأبد إن تصرفت تصرفًا أحمقًا وأفصحت عن أحداث مستقبلية
لذلك أرجوك لا تمجد الماضي ولا تفكر في الذهاب إلى هناك حيث لا تنتمي ولن تنتمي..
فكر في الذهاب إلى المستقبل، وإن وجدت الأرض سليمة ولم تنته الحياة بكارثة نووية ما، فتعال واصطحبني.
كاتب رأي