كُتاب الرأي

كم عدد متابعيك؟!

باسم سلامه القليطي

كم عدد متابعيك؟! 

في لقاء تلفزيوني قبل أيام مع ممثل خليجي سمعته يقول: طالبت المُخرج بزيادة أجري وأنا الذي أعطيت هذه المهنة 25 عاما من عمري، فكان رده بتحدٍ وتعالٍ: كم عدد متابعيك؟. كنت سأستغرب كثيراً لولا أنه حدث معي أمر مشابه قبل سنوات، أثناء حديثي مع صاحب دار نشر كبيرة للتفاوض على نشر أحد كتبي، فكنت أحضر ذهني للإجابة على أسئلة بديهية تتعلق بمجال الكتابة والنشر، في أي صحيفة تكتب؟ هل لك مؤلفات سابقة؟ ما هو موضوع كتابك؟ أي سؤال له علاقة من قريب أو بعيد بالكتابة والكتاب، لكن سؤاله المباشر الغاشم كان: كم عدد متابعيك على تويتر؟!
وعدت إحدى الممثلات الخليجيات في بث على التيك توك أحد مشاهير هذا التطبيق، بالعمل معها في مسلسها القادم، وكأن الأعمال الإبداعية وجبة طعام يعزم عليها القريب والحاضر، وقد تكررت هذه (الغشومية)في عدد من الأعمال سابقا ومؤخرا، لكنها لاقت رفضا وسخرية من المشاهد الواعي، لأن النتيجة كانت سيئة ومخجلة.
أفهم أن تأتي بلاعب أو مذيع وتسند له دورا باسمه وصفته بما يخدم العمل، أما أن تتحول الأعمال الإبداعية إلى لغة أرقام وهمية ومجاملات عبثية، على حساب الجودة والكفاءة، فالنتيجة الحتمية هدف متسلل، أعمال سهلة في جنيها الأموال، منزوعة القيمة والمعنى، لا تبقى في الذاكرة سوى فترة عرضها أو أقل، استسهال عاجل وألم مؤجل.
هل يأتي يوم نشاهد فيه لاعب كرة قدم متواضع اللياقة والمستوى يلعب أساسيا في أحد الفرق المهمة بسبب عدد متابعيه؟ ربما يحدث ذلك، أو إنه حدث ما يشبه ذلك، مع اختلاف السبب، وإن اتفق السببان في أنهما ليسا من المعايير الفنية لاختيار اللاعب، عندما لعب نجل معمر القذافي (الساعدي) في أكبر فرق ليبيا وأصبح قائد منتخب بلاده، وانتقل إلى اللعب في ثلاث فرق في الدوري الإيطالي: بيروجيا وأودينيزي وسمبدوريا. أربع سنوات قضاها مع هذه الفرق ولم يلعب سوى مرتين لدقائق معدودة، مع إنه صرف ملايين الدولارات، واستعان بالعداء الكندي الشهير(بن جونسون) لرفع لياقته، وبالأسطورة (مارادونا) ليعلمه بعض أسرار ومهارات كرة القدم، ومع ذلك لم ينجح في أن يصبح لاعب كرة قدم.
لكل زمان آفاته التي تتمدد ثم تتقلص وتتبدل، ولكل مجتمع مشكلاته التي تطغى ثم تفنى، فكأنها ما كانت وكأنها لم تبقى، ولكنها أثناء وجودها ستؤلم وتظلم، يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي قبل قرن تقريبا في كتابه (كلمة وكليمة): “في مثل هذا العصر، يكاد يكون التعريف الصحيح للأفضل من الناس أنه الأقل سفالة”.
وأقول: ربما كانت سفالة زماننا هي السخافة، فالأفضل هو الأقل سخافة.

كاتب رأي

باسم القليطي

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى