كُتاب الرأي

” سقى الله يوم أن كنت طفلة “

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

” سقى الله يوم أن كنت طفلة ”
………..

في إحدى الليالي البعيدة، جلست أتصفح التقويم الرقمي، في لحظة تذكرت فيها ذلك التقويم الهجري الورقي الذي بدأ يختفي تدريجياً من حياتنا، أو لعل القول الأدق هو أنه كاد أن يندثر تماماً. ذلك التقويم الذي كان يحمل بين صفحاتِه معلومات ثمينة وقيمة، لا تقتصر على تاريخ الأيام والشهور فحسب، بل كانت تحتوي أيضاً على تفاصيل غنية عن فصول السنة، مثل دخول الشتاء وخروجه، ومزايا كل برج فلكي كـ “سعد بلع” و”سعد السعود” ، وغيرها من الأبراج .
لقد نشأنا صغاراً ونحن نعرف هذه التفاصيل، وكأنها جزء لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية، مما شكل لدينا مخزوناً علمياً طيباً حول هذا الموضوع ، ومتوفر بسهولة بشكل يومي بين أيدينا ، بل أننا كنا نردد هذه المعلومات القيمة بسعادة واستبشار ونقرأها ونغنيها كعبارات سعد بلع ( البرد قد انقشع ) وسعد السعود ( قد أخضر كل عود ) حتى تكونت لدينا حصيلة علمية لابأس بها ونحن في سن صغيرة من هذه الوريقات التي أمامنا ، فكنا نتعلم بالترفيه ، يالها من أيام ولحظات جميلة !
مقارنة بهذا العصر ، الذي للأسف ، أصبح فيه جيلاً جديداً يفتقر إلى هذه المعرفة الغنية ، بعد أن غاب ذلك التقويم الورقي الذي كان يعد كنزاً حقيقياً من المعلومات، لم تعد تجد له مكاناً في عالمنا الرقمي سريع التغير .
نعم في ذلك العهد الرائع ، والزمن الجميل ، كان كل شيء من حولنا يغذي عقولنا ويروي عطشنا للعلم والثقافة. لم تكن قصص الأطفال التي نقرأها مجرد حكايات عابرة كما هي اليوم، بل كانت نافذة نطل من خلالها على بحر من المعرفة. قصص كانت تحمل بين صفحاتها دروساً ومعلومات قيمة، مثلما كانت مجلات “ماجد” و”الشبل” تنقل لنا عوالم مليئة بالعلم والمعرفة.
أما برامج الأطفال في ذلك الوقت، فكانت تتجاوز مجرد الترفيه، إذ كانت بمثابة دروس تربوية تثري أذهاننا. من مسلسل “افتح يا سمسم” الذي كان يعلمنا من خلاله القيم الأساسية والمفاهيم المهمة، إلى برنامج “المناهل” الذي كان يشكل عالماً خاصاً لنا من المعارف والمعلومات المفيدة. حتى “مسلسل وضاح” كان مليئاً بالتوجيهات الرائعة التي تلامس قلب الطفل وعقله.
كانت المعرفة تلاحقنا أينما حللنا، لا تشغلنا عنها مؤثرات خارجية أو إغراءات تلهينا وصوارف عن ما هو مفيد.
وكانت التربية في ذلك الزمن تتسم بالتركيز والصدق، حيث كان الآباء والأمهات وحدهم فقط من يرعوننا ويغرسون فينا القيم، دون تدخل من أي جهة أخرى ، في حين أن تربية هذا الجيل للأسف أصبحت حقل تجارب مختلطاً ما بين الغث والسمين، فكل شيء من حولهم يشارك في صياغة شخصياتهم .
وختاماً أقول :
متى نعي ذلك جيداً ، ونعيد ذلك المجد الجميل ؟

رئيس التحرير بالإنابة

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

نائبة رئيس التحرير

تعليق واحد

  1. الله عليك استاذة ابتسام
    أجمل طرح أعادنا للزمن الجميل الهادئ المليئ
    بالعلم والفائدة و البراءة و صفاء الذهن لتلقي المعلومة.
    لا عدمنا نبض قلمك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى