في لقاء حصري لـ “آخر أخبار الأرض” .. الكاتب والشاعر والمفكر الأستاذ إبراهيم بن سعيد الدعجاني

حوار رئيس التحرير/ محمد الفريدي
مقدمة ترحيبية:
مرحبًا بكم، أعزائي القراء، في هذا اللقاء المميز الذي يسعدنا فيه استضافة شخصية بارزة من المملكة العربية السعودية، هو الكاتب والشاعر والمفكر الأستاذ إبراهيم بن سعيد عبد الله الدعجاني. المولود في محافظة جدة عام 1380 هجري، والكاتب المعروف والمدير المتميز، والذي يتمتع بخبرة واسعة في مجالات الإدارة والأدب ، والحاصل على البكالوريوس في الإدارة الدولية من المملكة المتحدة عام 1984، والماجستير في الإدارة المتقدمة من جامعة هارفارد عام 2003، بالإضافة إلى الماجستير في المالية من جامعة سالفورد البريطانية عام 2021 ، وحاليًا، يستعد لنيل درجة الدكتوراه من أحد الجامعات البريطانية.
تقلد عدة مناصب في مؤسسات حكومية مرموقة، منها الهيئة الملكية للجبيل وينبع وشركة بترومين شل، وكان له دور بارز في تأسيس شركة مرافق ، و إلى جانب مسيرته المهنية، يُعتبر كاتبًا وشاعرًا مبدعًا، وله العديد من الأعمال الأدبية التي تعبر عن قضايا اجتماعية وثقافية في المملكة، و نحن في صحيفة “آخر أخبار الأرض الإلكترونية” سعداء باستضافته و سماع أفكاره وتجربته الغنية، فلنبدأ الحوار.
-
كيف أثرت نشأتك في جدة على مسيرتك الأدبية والمهنية؟
ج /لا شك أن البيئة المعاشة في الصغر تعد أهم المؤثرات في تشكيل الوجدان الانساني، وبحكم الميلاد في جدة الممتدة عمقًا في التأريخ لأكثر من 3000 سنة، حين نزلتها القبائل القضاعية، تلاها هجرات قبائل أخرى من مختلف أصقاع المملكة لساحلها الجميل وميناءها الفيصلي العظيم، والتجارة المتنامية، ولكن كان الداعي الأساسي لهذه الهجرات هو قربها من مكة المكرمة، وهو الساحل الذي اتخذه الصحابي الجليل عثمان بن عفان بوابة لبيت الله الحرام. فيها ولدت، ونشأت مستلهمًا العبر من تأريخها العظيم، مذ صدها للبرتغاليين ومقاومة قبائلها للإنجليز. وفي السبعة قصور التي كانت مساكن الملك سعود رحمه الله، درست في مدارسها، وعلى مقربة منها في حي الرويس قامت أحدث وأول مدرسة بكادر من المعلمين السعوديين الأجلاء، أذكر من بينهم أساتذة كثر، مثل الأستاذ ناصر الغميطي والاستاذ عبد الرحيم، لكنني بحكم حب اللغة ارتبطت وجدانيا مع الأستاذ محمد حامد الجحدلي الذي أثر فيّ وفي أغلب الطلاب بدماثة الخلق وأناقة اللبس وجودة التعليم. تعلمنا على يديه ألفباء اللسان العربي السليم، وحب اللقاءات والاجتماعات العلمية التي أثراها والدي رحمه الله في مساجد ومجالس جدة. ثم إني ارتبطت بوالدي رحمه الله ورافقته رحلات فتح مدارس تحفيظ القرآن وتعليمه في أغلب مناطق المملكة، مما انعكس على يفاعتي بفهم معمق للحياة، ولمختلف الثقافات البدوية والحضرية في مختلف مناطق المملكة. إضافة إلى الشغف الذي تنامى لحضور محاضرات كان يلقيها أدباء السعودية في أول نادي أدبي في حي الشرفية بجدة. أذكر أنني توغلت في الصفوف للسلام على الأستاذ محمد حسن عواد، وحين عرفته بنفسي، ضمني إلى صدره، وقال ابن أخي الشيخ سعيد. ربطتني هذه الضمة بهذا الرجل العملاق ضمة إلى عالم الأدب والاثراء من الكتب مكونًا مكتبتي من جل كتبه وعلى رأسها الأعمال الكاملة للعواد.
-
ماذا عن تجربتك التعليمية في المملكة المتحدة؟ وما الدروس التي اكتسبتها من دراستك؟
ج /البعد عن الوطن مؤرق، لكن صبرت على الأرق مغنيًا
أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ … وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ
فكانت رحلتي العلمية بدراسة اللغة وحينها انكببت على قراءة بعض الكتب الأدبية في الأدب الإنجليزي والعلمية، فقرأت (بصعوبة) ما تقرر علينا من “سونتات” شعرية لشكسبير وقصائد وليام بليك، وغيرهما، قصة جورج أوريل 1985، ثم قرأت كتبًا مؤثرة للكاتب الأمريكي ديل كارنغي. أحببت الأدب الإنجليزي لما فيه من عمق تجربة، وخليط ثقافي، لأن كثير من الأدباء طوروا تجربتهم بالسفر أو العيش خارج بريطانيا، خاصة أدباء النهضة حيث كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
حينها كتبت في صحيفة ” العرب” اللندنية في أول صدورها، في زاوية القراء، بعض القصائد والنثر، وختمت علاقتي بالصحيفة قراءةً ومراسلة، حينما انحرفت فكريًا، فختمتها بمقال، مدافعًا عن الإسلام، ومبينًا موقف المملكة العربية السعودية الثابت نحو قضايا الأمة.
-
ما هي أبرز التحديات التي واجهتك خلال فترة عملك في مؤسسات مثل الهيئة الملكية للجبيل وينبع؟
ج / كانت تجربة قصيرة امتدت لمدة عام، تعرفت من خلالها على مدينة الأحلام ومصنع الرجال، كما سماها الملك فهد رحمه الله. كانت تجربةمثيرة، شاركت فيها في تأسيس مجلة الهيئة المملكة التي استمرت للصدور لفترة ليست بالقصيرة.
-
حدثنا عن تجربتك في تأسيس شركة مرافق ، وما الذي ألهمك هذه الخطوة؟
ج /اختارني صديقي خليل الطويان رحمه الله، وهو من عملت معه في الهيئة الملكية للجبيل، لأكون ضمن فريق مكون من أربعة أشخاص وبرئاسة زميل من أرامكو، الأستاذ عبد الله مرعي، مع زميلين آخرين هما حمد العساف، وراضي الأمير. كانت رحلة تأسيس مرافق مرحلة تحديات كبرى، حيث كنت مسؤولا عن الاستحواذ على العقود والمخازن، وكانت المواد تعد بالملايين، كنا نعمل من الساعة السابعة صباحًا حتى وقت متأخر من الليل يوميا بما في ذلك يومي الخميس والجمعة، ظللنا كذلك لفترة ثم وظفنا بعض العناصر التي أصبح بعضها من قيادات الشركة حاليًا. استطاع فريق العمل في هذه الشركة تحويل خدماتها إلى الربحية وإلى مرونة في التوسع، مما جعلها اليوم أحد كبريات الشركت الخاصة في قطاع الماء والكهرباء في المملكة العربية السعودية وربما في الشرق الأوسط.
-
كيف ترى دور الجمعيات الخيرية في دعم الشباب السعودي، وما هي المبادرات التي ساهمت فيها؟
ج / الخيرية هي جزء أصيل في الانسان، فالمولود يولد على الفطرة كما جاء في الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، والفطرة التي خلق الانسان عليها الانسان مذ أبونا آدم استملت على الخيرية، بينما الشرية كانت في أبليس الذي أصر على العصيان لله وحده. وهذا تحدي صارخ لمقولة جبران خليل جبران في مطلع قصيدة ( المواكب)، ومفاده “أن الأصل هو الشر، والخير لا يقوم إلا على النفعية”.
محبة الانسان الخير لنفسه تقتضي محبته لغيره، جاء في الحديث المتفق عليه، ربط الإيمان بالخيرية، (لا يؤمنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه). وكان لوالدي وثلة من الخيرين أعمال خيرية كثيرة ابتدأت من مدارس تحفيظ القرآن في نهاية الخمسينيات ميلادية، إلى مكافحة التدخين، ومساعدة الشباب على الزواج، ودعوة الجاليات وغيرها من الجمعيات الخيرية التي نظمتها الدولة جزاها الله خير بما يتفق واسس الجمعيات السليمة دون انحراف أو تعدي. مثلت الوالد رحمه الله في عدد من الجمعيات، ولازلت عضوًا في جمعية زواج ( التي كان مسماها المشروع الخيري لمساعدة الشباب على الزواج).
-
ما الذي دفعك للكتابة؟ وكيف تؤثر كتاباتك على القضايا الاجتماعية في المملكة؟
ج / لا أصنف نفسي كاتبًا رغم أن لي عدد من الكتب التي استغللت فيها أوقات عدم ازدحام الأعمال الوظيفية سابقًا أو الأعمال الخاصة أو حتى الدراسة في هذا العمر المتأخر. لكن لا أخفيكم أنني محب للكتابة، ولدي مجموعة كبيرة من المؤلفات الأدبية وغير الأدبية ومنها مجلد كامل في أكثر من ستمائة صفحة لشرح قصيدة القحطاني، لكن تحتاج إلى وقت لإعادة القراءة للتصحيح والتنسيق والترتيب. وإن أمد الله في الأعمار ستكون بين يدي القراء خلال العامين أو الثلاثة القادمة بعدما أنهي البحث الدراسي الذي أعمل عليه حاليا.
-
لديك مجموعة من الأعمال مثل “فلا تقل لهما أف” و”التاجر بهراني”، ما الرسالة التي تسعى لتوصيلها من خلالها؟
ج / فلا تقل لهما أف، كما يظهر من العنوان، هي مجموعة قصصية كتبت في مراحل مختلفة، محورها الأساس هما الوالدان، وفيها رسائل تخاطب اللاوعي الإنساني، وتحثه على الحرص على بر الوالدين الذين ربطهما الله بجلال اسمه وحبه. أما التاجر بهراني فهي رواية قصيرة كتبت في ساعات لشخص توفاه الله، حكى لي تجربته، فاستأذنته وكتبتها تخليدًا لذكراه، محتسبًا بها الأجر له ولي في تصحيح المسار والتقرب إلى الله بالطرق الصحيحة.
-
ما أكبر التحديات التي واجهتها ككاتب عربي، وكيف تغلبت عليها؟
ج/ أعتقد أن أكبر التحديات للكاتب هو التعامل مع دور النشر العربية. لي تجربة مع دار نشر انجليزية لديواني بعض مني، وجله مترجم من قصائد قديمة، ومن ديوان سابق، فوجدتني متربحًا ماليًا، ومازلت احتفظ بصور بعض الشيكات التي كنت استلمها منهم كل ربع سنة، أما ( أكثر) الدور العربية، إن لم تتبرع بريع الكتاب جاعلاً ريعه في ذمة الناشر، فمآلها حساباتهم الخاصة. هذه ليست شكواي لوحدي وإنما شكوى أغلب الكتاب السعوديين. شخصيًا لست مع التربح من الكتابة لكني أعرف كتاب الكتابة هي أحد مصادر معيشتهم، وهذا ظلم. ومن هذا المنبر أرغب إلى وزارة الثقافة إعادة تنظيم النشر خاصة مع الناشرين خارج المملكة العربية السعودية بما يحمي حقوق الكتاب، ومنعهم من التسويق في المملكة في حال تكرار مخالفاتهم على الكتاب السعوديين.
-
ما هي مشاريعك الأدبية القادمة؟ وهل هناك موضوعات معينة تود تناولها؟
ج / حاليًا بين يدي إعادة تحقيق شرح الأمثال السائرة للمتنبي بطريقة سهلة وفي متناول الطالب.
-
كيف ترى دور المملكة في الحفاظ على العروبة والإسلام في ظل الظروف الدولية الحالية؟
ج / منذ نشأة المملكة العربية السعودية وهي تعمل جاهدة على وحدة الصف العربي والإسلامي، وسخرت مواردها لدعم هذا التوجه، هذا كله باعتراف ليس أصدقاء المملكة وحسب بل حتى اعداءها من كتاب وسياسيين، ومن ضمن ما ذكر هيكل، أن الإنجليز حاولوا الضغط على الملك عبد العزيز بقبول تقسيم فلسطين ( المحتلة) فرفض بشدة، وقد شاركت المملكة في الحروب بالمال والعتاد، وكونت جيش قوي في عام 1948 ضاهي كل الجيوش العربية لكنها أقل من مصر بالشيء القليل، رغم الفارق الكبير في عدد السكان.
ثمة أمور لا بد أن يعلمها الشباب أن المملكة العربية السعودية ليست قوة طارئة، إنما هي قوة متمكنة منذ القدم، عتادها شبابها والمسلمين، وما تخبئه أكثر، ومما ذكره محمد حسنين هيكل، أن المملكة صححت المسارات السياسية منذ مؤتمر اللاءات الثلاثة في السودان. وكانت تختصر الخلافات على القائد ومن معه، ولا تخاصم الشعوب، ولا أدل على ذلك مما فعلته مع الشعب المصري حيث اشترت القمح الذي منعته روسيا عنها رغم إصرار عبد الناصر وتطاوله عبر الصحف والمذياع.
ولابد أن يعلم الشباب أن النفط عزز قوة المملكة العربية السعودية، وليس هو القوة كما يزعم الأعداء، لأن هناك دول تمتلك مخزون أكبر من مخزون المملكة من النفط، لكن شعبها فقير، ودورها لا يتجاوز محاربة الآخرين، ونكوص المواثيق.
ولمن يقرأ التأريخ بعين ثاقبة ينظر إلى من رفع رأية العداء للملكة العربية السعودية التي تمثل الإسلام، وتحمي ربقة الدين، يسأل نفسه أين هم الان؟!
-
ما النصائح التي تود تقديمها للشباب الراغبين في دخول عالم الكتابة والإدارة؟
ج / القراءة ثم القراءة ثم القراءة .. خاصة للكتاب المعتبرين، واليوم، هناك أفضلية كبرى للشباب، في إمكانية فتح المكتبات وقراءتها من خلال تنزيلها على برامج الكندل، يكنه قراءة ما شاء وبأي لغة شاء. لديه مكتبة عالمية بين يديه .. وليجعلوا القراءة مثابرة حتى يتحقق لهم الشغف للكتابة.
-
كيف أثر التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي على أدبك؟
ج / لا شك هذا أثر على كل شيء في الحياة، اليوم الحياة أبسط بكثير، كل شيء بين يديك، مكاتب العالم، بكل اللغات، ويمكنك ترجمة ما شئت من خلال برامج الترجمة، وهذا أغنى الكثير عن السفر والمثاقفة. ولا يخفاكم أن التقنية اليوم خرجت من فضاء الأرض إلى فضاء السماء، وهذا محل بحث لي في اقتصاديات الفضاء المشتمل على تريلونيات من الأطنان من المعادن وما ينفع الأنسان.
-
كيف شكلت تجاربك الدولية رؤيتك للأدب والإدارة؟
ج/ تجربتي في الأعمال امتدت لثلاثين عام تقريبًا في السعودية استفدت منها الكثير، وبجانب ذلك كانت لي تجربة مع ريادة الأعمال بعض حقق نجاحات مبهرة، وبعض سقط منذ البكور. تعلمت من هذا ن النجاح يكم في تكرار التجربة حتى ولو اصطدمت بتحديات، لأن التحدي هو الذي يخلق المعرفة، والمعرفة هي الطريق إلى النجاح.
وبحكم عضويتي في مجلس تطوير الأعمال السعودي البريطاني، واختلاطي مع قيادات ورواد أعمال كبار سعوديين وبريطانين، أثرى تجربتي العملية، تعلمت منهم الكثير وما زلت. وقد حقق هذا المجلس نتائح مبهرة في تطوير التجارة البينية بين البلدين.
أما الأدب فلا شك أنني متعلق فيه كنشاط إنساني، مازلت اقرأ من تجارب الآخرين، وقبل فترة حضرت منودراما لرباعيات تي إس إليوت، في لندن، بعد أن أوصى عليها الأستاذ الكبير عثمان العمير. لكن لا أخفيكم، أنني مقل في هذا الجانب لارتباطاتي الدراسية والعملية.
-
حدثنا عن الشهادات التي حصلت عليها وكيف أثرت على مهاراتك؟
ج/ إبان عملي حصلت على دورات كثيرة ومكثفة في تخصصات متعدة حسب الوظيفة، وهذا من مفاخر العمل في المملكة العربية السعودية، وخاصة في القطاع الصناعي، حيث الاهتمام بالتدريب من المهمات الأول للإدارة. وأذكر أنني عينت ذات مدة مديرًا للتدريب في أحد الشركات، وكان حينها الرئيس التنفيذي حريص جدًا على معرفة نسبب تحقق المستهدفات لتدريب السعوديين.
وأذكر أن المهندس قاسم بن صالح الشيخ، الرئيس التنفيذي، خلق بيئة تدريبية اسماها التدريب الذاتي، حيث كن الإمكانات محدودة للموظفين لتملك أجهزة الكمبيوتر، فوضع برنامجًا مكثفًا في عام 1988 لتمليك حاسوب وتوابعه لكل موظف بتقسيط نصف المبلغ ودعم من الشركة للنصف الآخر. وهذه النوعية من التدريب خلقت قيادات لها معرفة بالتقنية تجاوزت الكثير.
-
ما الموضوعات التي كنت تفضل الكتابة عنها في الصحف، وما الذي يحفزك لذلك؟
ج/ كتبت فقط في صحيفة العرب اللندنية وتوقفت لانحرافها عن المسار العقلاني ولم تعد لي أي مشاركة بعدها.
-
كيف ترى تأثير الثقافة السعودية على الأدب العربي بشكل عام؟
ج /ظّل الأدب السعودي كباقي الدول العربية حبيس المجالس، والمشافهة حتى النهضة الأدبية في مطلع القرن السابق، برز فيها أحمد باكثير رائد شعر التفعيلة ومؤسسه، وأحمد شوقي، والمازني، ونازك ملائكة، ومن السعودية برع حسن شحاته، وأحمد العطار، محمد حسن عواد وغيرهم، ثم بدأت نهضة التدوين في العالم العربي في مطلع الثلاثينيات. تأخر الأدب السعودي عن الركب بسبب الأدلجة والانحرافات الفكرية التي غمرت نهضة الأدب، إذ كان كل أديب يتلمس طريقه ومعاشه، فكان الشيوعي، والرأسمالي، والاشتراكي، واللاديني.. .. وغير ذلك، مما حدى بالأدباء السعوديين إلى الانكفاف على أنفسهم، وعقدوا مؤتمرًا في وادي فاطمة في الأربعينيات، حضره شوقي والمازني من مصر وبعض أدباء العرب المعتدلين، ومن السعودية حضره ابن بليهد، الغزاوي والجفالي، العواد، شحاته، وغيرهم من الأدباء.
لا شك أن الأدباء السعوديين لم ترق لهم أجواء الأدلجه والشعبوية الفكرية، فاقتصروا على دوائرهم الخاصة والقلة من الخارج مع العقاد خاصة الذي كان يحارب كل أشكال الأدلجه والأخونه حتى كاد أن يغتاله زعماء الاخوان. لما خفتت الخطابات الشعوبية والنعرات العنصرية انتشر الأدب السعودي في المحافل العربية، أدبًا صادقًا، صافيًا،ومتزنًا، لم ينزلق المزالق الخبيثة، وفي نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات برغم التحديات الاجتماعية برز جيل من الشباب منهم الثبيتي، والصيخان وغيرهما. اليوم الأدب السعودي يقرأ في جميع انحاء العالم العربي، مؤثرًا ومتأثرًا.
-
هل هناك كتّاب أو شعراء تأثرت بهم بشكل خاص؟ وكيف أثروا في كتاباتك؟
ج / بحكم البعد الحالي، مقتصر على التواصل من خلال منصة تويتر، ولي مداولات مع بعض الكتاب مثل الشاعر السعودي محمد العسيري ( الصهيب)، جاسم الصحيح .. وغيرهما.
أما التأثر، فلاشك أن كل شخص يتأثر ويؤثر في دوائر متغيرة حسب الزمكان. في الماضي تأثرت كثيرًا بمعالي الدكتور غازي، وهو من القلة الذين قرأت كل إنتاجه الأدبي والإداري، في الحقيقة كتبت رواية لم أتمها حينما علمت عن وفاته رحمه الله كانت رد على “حكاية” الجنية لمعاليه.
هذه الأيام، يعجبني واتثاقف مع، العراقي زكي العلي، جاسم الصحيح، سلطان الضيط، محمد العسيري، واليمني قيس عبد المغني، وآخرون لا يتسع المجال لحصرهم.
-
كيف تصف أسلوبك الأدبي وما الذي يميز كتاباتك عن الآخرين؟
ج / هذا مجال يعرفه النقاد أكثر من محدثكم، لكني أصنف نفسي هاويًا، في الشعر، أحب الشعر العمودي، الكلاسيكي، وإن سماه البعض أسلوب تقليدي، فهو ألق على ألق، بل وأحارب من أجل المدرسة التي عاشت أكثر من ألفي عام، تتفاعل مع الزمان والمكان، كتبت أنواع الشعر الحر الموزون، ولي محاولات في (النثرية) التي تسمى خطأ شعر النثر، الذي يعتمد على التكثيف والإيقاع الداخلي للمفردات، وترابطها.
-
كيف تغيرت رؤيتك الفكرية خلال مسيرتك؟ وهل هناك أحداث معينة غيرت من أفكارك؟
ج / من الطبيعي أن يتفاعل الإنسان مع الزمكان، ومن لا يتغير يبات وحيدًا في العراء كما يقال، التغير الإيجابي هو المطلوب وهو التغير الذي لا يغفل عن الثوابت الأصيلة. ولاشك أن هناك كثير من الحوادث تغير في الإنسان، وفاة والدي كان دافعًا للخروج إلى الملأ، ونشر ما كنت مختزن من قصص وروايات وشعر، خاصة الشعر العاطفي الذي لم يستعذبه لما فيه من ابتذال محبب لدى الشعراء.
-
ما أهمية القراءة في حياتك، وما الكتب التي أثرت في تشكيل أفكارك؟
ج /القراءة أساس المعرفة. اقرأ في كل كتاب يقع في يدي، أو مجلة أو حتى موقع في الأنترنت. أما التشكل الفكري، يكون عادة في مقتبل العمر، حينها كنت قريبًا جدًا من والدي، وكنت اقرأ عليه كثيرًا، سواء من المصحف الشريف، أو الكتب الذي كان يصححها لآخرين، ومن الكتب التي كنت اقتنيها، وأرجعها، كثير، منها عبقريات العقاد، ولم استسغ شعره، وأحمد عبد الغفور العطار خاصة مجموعة العقائد التي أهداها لوالدي، والشوقيات، لأحمد شوقي، ولا تزدان بدون أن يكون للمعلقات العشر مكانًا فيها.
-
كيف تحافظ على التوازن بين مهامك الإدارية وحياتك الأدبية؟
ج / أمر صعب، لكن هي الدنيا، تحتاج المعاش، والعمل من أجله، كما تحتاج افراغ تلك الشحنات الأدبية التي تدفعك لإطلاقها على الورق ( سابقًا)، وعلى ملف الوورد ( حاليا).
-
كيف ترى تأثير العصر الرقمي على الكتابة والأدب؟
ج / أعتقد أن الرقمنة المتسارعة فتحت للجميع وليس للشعراء فقط أبوابًا كثيرة، ودفعت بهم إلى قراءة الآخر، بعقلية أكثر تنظيمًا وأسرع ترتيبًا. كما كشفت العالم الخفي، كنا في زمن نقرأ لأناس لا نعرف عنهم غير ما كتبوا، أما اليوم، يمكنك بضغطة زر التعرف على الكاتب وتوجهاته، تعرفنا من خلال الرقمنة في هذا العصر المتسارع أن بيننا من كان يبث سمومه الفكرية تحت وسوم دينية؟! .. وتعرفنا على من يجحد كرم وعطاء بلادنا التي لم تألوا جهدًا في دعم كل قضايا الأمة، وتعرفنا على أصحاب الفكر المدمر، ففوائد الرقمنة أفادت الجميع ولله الحمد.
-
كيف تتعامل مع المنافسة في الأدب، وما رأيك في الجوائز الأدبية؟
ج / المنافسة الأدبية أمر محمود بين الكبار من الأدباء والشعراء، ولا بد أن الجميع شاهد برنامج المعلقة في القناة الثقافية السعودية، بأدراه زميلنا أمير الشعراء في الموسم التاسع، سلطان الضيط، واحتدمت المنافسة في الشعر الفصيح وتوج بها الشاعر الجميل جاسم الصحيح. ولا شك أن الجوائز محفزة، لكني لست متابعًا لها، بكل أسف، وقد وصلتني دعوات للمشاركة، لكني لم أشارك، ربما لقناعتي أن هناك من يستحقها أكثر مني.
-
هل لديك مشاريع للكتابة في أدب الأطفال، وما الرسائل التي ترغب في إيصالها؟
ج / هذا يقتضي أهل معرفة ودراية بالتخصص، الطفل عالم مختلف، أعجب من بعض الموسيقى الغربية التي يتفاعل معها طفلنا العربي بشكل مذهل، وأتساءل دائمًا أين نحن من هذا؟
-
ما الذي يلهمك للكتابة؟ وهل هناك مواقف معينة تستمد منها أفكارك؟
ج / التدفق الشعري لا يطرق الباب، يأتي في أي لحظة، وفي أي مكان، كتبت في الطائرة، وكتبت في غرفة النوم، وفي المطعم، لا تعرف مالذي يدفعك للكتابة، هناك شعور داخلي متمرد على الذات، يدفعك في لحظة ما لتفريغ شحنة، قد تنتهي في بيت شعر واحد أو قصيدة كاملة.
-
كيف تتفاعل مع قرائك وما أهمية هذه التفاعل بالنسبة لك؟
ج / منصة تويتر التي دخلت عالمه منذ بدايته، ثم انقطعت بسبب الأعمال، وبنيت حساب آخر في 2019م، من خلال المنصة، اتفاعل مع من يحب أن يقرأني، ينتقد، يوجه، يصوب .. أو حتى يتحامل علي. لست معنيًا بما يقال فيما أكتب، لأنني أنشر ما يجول في خاطري وحسب.
-
كيف ترى دور الأدباء في معالجة القضايا الاجتماعية في المجتمع السعودي؟
ج /اليوم هذه مهمة شبابية، تحتاج إلى طاقات فعالة، لما انطوت عليه من تعقيدات تقنية متقدمة، اقتصت معرفة معمقة بها، لكن يظل الآباء في قبطانًا يوجهون دفة المركب، يقومون الانحراف، يصححون المسار، خاصة أن بعض الأمور تحتاج إلى خبرة في الحياة، ودراية بالتعامل مع المنحرفين. وهذا يتأتى من التربية منذ الصغر، تدريب الأبناء على حب الوطن الصغير الذي هو الأسرة، والوطن الكبير التي هي البلاد، والدين والمليك. بعدها يمكن للأبناء حمل مسؤولية معالجة كل المشكلات.
-
هل هناك أماكن معينة تلهمك الكتابة ؟
ج / لا شك أن كل خطوة تقترب فيها من الوطن تدفعك إلى مزيد من العطاء، تجذبك إلى ما تحب وتعشق، فتجد نفسك تكتب عن الحب، والجمال، وحينما تأخذك الأسفار إلى مباعد عنه، تغرق في الحنين .. والألم. قال لي أخي يوسف رحمه الله، شعرك اللندني كما كان يصفه دائمًا يحمل في طياته حزن وألم، أما في السعودية تكتب الشعر المغنى المتنامي فرحًا، قلت له والله ما علمت هذا إلا منك. وهذه حقيقة كشفها لي.
-
ما أكبر الصعوبات التي تواجهها أثناء كتابة عمل أدبي جديد؟
ج / أكتب سريعًا، وأجدني منفعل كثيرًا، تزداد نبضات قلبي، وفي أوقات اتعرق بشدة، تجد علبة المناديل بجانبي دائمًا، أمسح بها لوحة المفاتيح، في اليوم التالي أو بعدها بساعات، أعود لقراءة ما كتبت، في غالب الأحيان، امسحه أو ألغي جزء كبير منه. ثم دورة التصحيح، وهي المرحلة المؤلمة .. لأنها أيضًا تقتضي حذف كثير مما كتبت.
-
ما أهدافك المستقبلية في الكتابة والإدارة وكيف تخطط لتحقيقها؟
ج / ربما بعد تقديم بحثي اتفرغ تماما للكتابة، أما إدارة الأعمال، فأنني بصدد التخلي عنها للأبناء، خاصة أن أحدهما متفرغ تمامًا والآخر كان متفرغًا، وارتأى أن يستفيد من تجارب الآخرين، لكني أتمنى أن تعود الأعمال إلى أحسن مما كانت عليه في الماضي، ويعود الجميع إلى العمل الحر، الذي هو كما جاء في حديث ضعيف رواه أبو الدنيا ( تسعة أعشار الرزق في التجارة).
كلمة ختامية :
نشكر استاذنا الكبير إبراهيم بن سعيد عبد الله الدعجاني على وقته الثمين ومشاركتنا تجربته الغنية هذا اليوم ، فقد كان اللقاء معه لقاءً مليئاً بالأفكار الملهمة والرؤى القيمة حول الأدب والإدارة ، نتمنى له كل التوفيق في مشاريعه المستقبلية، ونتطلع بشغف لمزيد من أعماله الأدبية وإلى لقاء آخر بإذن الله.
الأستاذ الفاضل محمد حامد الجحدلي،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تعجز الحروف أن تفيض بما في القلب من حب ووفاء لشخصك الكريم.
لقد بعثت فينا روح المحبة والوفاء، واستفززت فينا العطاء لهذه البلاد التي سخرت لها علمك ووقتك وصحتك
انشأت لها أجيال خلف أجيال، ساروا في مواكب الحياة، وبذلوا ما استطاعوا من عطاء.
لك مني خالص الدعاء بالتوفيق والسداد، وتمنياتتي أن تقبل العذر على تقصيري نحوك ونحو آبائي من
المعلمين الأوفياء… ثم لك أعظم التحايا والثناء بحجم ما كان ويكون في الأرض والسماء، أيَّها النبيل.
الأستاذة الفاضلة ابتسام الجبرين
شكرًا لمرورك، وإطرائك الذي لا أستحقه ..
وأنت معلمة الأجيال، الكاتبة المبدعة، والإنسانة الراقية.
شكري لك مسطر بمداد الوفاء، وبحجم السماء، وأكثر!
سعادة الأستاذ محمد الفريدي، رئيس التحرير
شكرًا لك من الأعماق، على إتاحة الفرصة، للتحدث مع أساتذتي وإخوتي من خلال صحيفة آخر أخبار الأرض، صحيفة الجيل القادم من المبدعين.
أكرر شكري لسعادتكم، وتمنياتي لكم بدوام الصحة والعافية، والتقدم في ظل رؤية 2030 الطموحة.
سعادة الأستاذ الشاعر الأديب إبراهيم الدعجاني حفظه الله .
أشكركم من أعماق قلبي على كلماتكم الطيبة التي نبعت من نبل أخلاقكم وصدق مشاعركم بلا شك ، و شرف لي أن أكون في موضع يمكنني فيه التواصل مع قامات مثلكم من الأدباء والمبدعين.
و صحيفة “آخر أخبار الأرض” هي بالفعل منبر لأصوات الجيل القادم، وأنتم أحد أعمدتها التي تضفي عليها بريقا لا يضاهى.
أكرر شكري وتقديري لسعادتكم، وأتمنى لكم دوام الصحة والعافية، ومزيدا من التألق والإبداع، و دمتم بخير وعطاء، و تقبلوا فائق تحياتي واحترامي.
أخوكم / أبو سلطان
حوار أكثر من رائع👍
بين ذكاء السائل وشمولية الأسئلة
وبين جمال طرح الدكتور إبراهيم
وتجاربه الملهمة👏👏👏
جماليات الأدب من جمل الطرح الذي تميز به الشاعر الأديب المؤلف الأستاذ إبراهيم سعيد بن عبد الله الدعجاني فقد كان منصفا حيادي فيما طرحه بأسلوب أدبي صحفي أتفر به في حواره مع الزميل رئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض الأستاذ محمد علي سليمان الفريدي محاولا تقديم نموذج في رحلة أدبية تاريخية موثقة اتسمت بالصدق والجرأ والأمانة لم يبحث عن خدمة ذاتية لتقديم نفسه وإنما جاء طرحه متوزانا في لفتة جمعت بين البدايات وحياة الغربة والتجربة الوظيفية القيادية ومن ثم العودة لأرض الوطن مدافعا عن هويته الدينية والوطنية والموروث الأدبي الذي نشأ عليه شكرا من القلب مؤرخنا وشاعرنا وكاتبنا القدير الأستاذ إبراهيم سعيد بن عبد الله الدعجاني.