كُتاب الرأي

النقد الفارغ

النقد الفارغ

النقد الفارغ ظاهرة قديمة متجددة، يتوشّح أصحابها بلباس الناصح الأمين، بينما لا يحملون في جعبتهم سوى كلام متسرّع وتعليقات جوفاء. تقول الأخصائية سارة الغامدي: الناقد دائمًا لديه تعليق جاهز حتى لو لم يعرف القصة كاملة.. لا تسمح لصوته يحدد قيمتك.، وهي عبارة تلخّص مأساة الكثير من المبدعين وأصحاب التجارب، حين يجدون

2 / 3
أنفسهم في مواجهة كلمات لا تستند إلى علم ولا معرفة، بل إلى نزعة لإثبات الذات على حساب الآخرين.
ذلك الناقد الفارغ لا يتريث ليفهم القصة، ولا يسعى لاكتشاف عمق التجربة، بل يطلق حكمه المسبق كأنه حقيقة مُطلقة. وهو في الغالب لا يريد مصلحتك بقدر ما يريد أن يرفع نفسه على أنقاضك، يصنع مجده الشخصي من خلال تشويه صورة غيره. إنهم أشبه بأشخاص يلوّحون بمصابيح مطفأة في وجه السائرين، يظنون أنهم يضيئون الطريق بينما هم يزيدون العتمة.
النقد الفارغ يترك أثراً نفسياً قاسياً حين يتلقاه الإنسان لأول مرة، فيتسلل الشك إلى نفسه، ويتساءل: هل ما أقوم به بلا قيمة؟ لكن سرعان ما يكتشف أن هذه الأصوات ليست سوى ضجيج عابر، لا يضيف معنى ولا يصنع حقيقة. المبدع الحقيقي يعرف أن قيمته لا تُقاس بلسان الآخر، بل بقدر إخلاصه وعطائه، وأن أجمل رد على الأصوات الفارغة هو الإنجاز نفسه، هو أن يجعل من إبداعه جداراً صلباً لا تنفذ منه سهام الكلام.
والمجتمع حين يكثر فيه هذا اللون من النقد يصبح مثقلاً بروح الإحباط، ويُغتال فيه الابتكار على أيدي أولئك الذين يظنون أن التجريح هو مرادف للنقد، وأن الاعتراض الدائم هو دليل وعي. لكن الحقيقة أن النقد البنّاء يختلف جوهرياً؛ فهو يتوجه إلى الفعل لا إلى الفاعل، ويسعى إلى الإصلاح لا

3 / 3
إلى الهدم، ويمنح صاحبه فرصة للنهوض لا شعوراً بالانكسار.
وحين نتأمل دوافع أولئك الناقدين الفارغين نجدها تتلخص في ضعف الثقة بالنفس، أو حب السيطرة، أو العجز عن تحقيق إنجاز حقيقي، فيتحولون إلى متفرجين سلبيين يعلّقون على اللاعبين في ساحة الحياة دون أن يجرؤوا على النزول إليها. وكما قيل: من السهل أن تلوّح بلسانك، لكن الصعب أن تزرع أثراً بيدك….
فلنتذكر أيها القارئ أن الأصوات الفارغة لا تُسقط إلا على من منحها مكاناً في داخله، وأن قيمتك تُصنع من صبرك وجهدك وإخلاصك، لا من كلمات عابرة تُقال بلا فهم ولا وعي. لا تسمح لأحد أن يختصر رحلتك في جملة عابرة، ولا تدع الناقد الفارغ يرسم ملامح صورتك. سر بثقة، وازرع خطواتك في أرض الإنجاز، ودع صوتك أنت يكون الحقيقة التي تغلب كل صدى أجوف. فالمبدع الذي يمضي مؤمناً بذاته، لا يمكن أن توقفه حجارة الطريق ولا ضجيج العابرين.

بقلم أ. أماني الزيدان

اماني سعد الزيدان

كاتبة رأي ورواية مسرحية ومشرفة على في ظلال المشهد المسرحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى