كُتاب الرأي

العنكبوت والبطاقة المفقودة

العنكبوت والبطاقة المفقودة

في أرضٍ بعيدةٍ لا يطولها الخيال، كانت هناك مملكة صغيرة تُدعى “وُدّان”، كانت تشتهر بين الممالك بحكاياتها العريقة عن الفرسان والأعمال النبيلة؛ وكان يُقال إن من نال بطاقة “فرسان ودّان” صار من صفوة النبلاء، يُقدَّر ويُحترم، ويُفتح له باب الحكمة والمعرفة والخدمة.
لكن شيئاً غريباً بدأ يكسو المملكة في الأعوام الأخيرة؛ فقد استولى على القلعة كائن غريب يُشبه العنكبوت، لكنه لا ينسج شبكته من حرير، بل من وعود باهتة ومناصب زائفة؛ كانت تلك الشبكة تُغري الغرباء، وتغوي كل من لم يجد له مكاناً في فرسان ودّان، فراحوا يتسلقون خيوط العنكبوت باحثين عن مجد مزعوم.
في إحدى القرى التابعة للمملكة، عاشت امرأة حازمة طيبة تُدعى “شاديرا”؛ كانت تحلم أن تقود فرعاً من فروع الفروسية النبيلة في قريتها، وجمعت حولها أناساً مخلصين، دفع كل واحدٍ منهم ما يملكه على أمل أن يحصل على تلك البطاقة العريقة؛ أرسلت المال إلى القلعة، وانتظرت.
ظهر على السطح رجل يُدعى “يحيان”، كان العنكبوت قد جعله مسؤولًا عن إصدار البطاقات؛ فقال لها:
“نحتاج عدداً كبيراً من الفرسان حتى تُصدر البطاقات.”
فجمعتهم، وأعادت الطلب؛ فقال:
“لا توجد طابعة.”
فأرسلت له ذهبها، وقالت:
“ها هو قرضٌ حسن، اشترِ به الطابعة.”
ومرت الأيام، ولم تأتِ بطاقة؛ فسألته:
“أين البطاقات؟”
قال لها:
“الطابعة عطشى، تحتاج حبراً.”
فأرسلت له مجدداً، بقلبٍ يفيض حُسناً لا يُقابله وفاء؛ ومضت الأيام، وعاد يهمس بخجلٍ متصنّع:
“أنا لا أفهم في التقنية… ثم سقطت الطابعة وانكسرت.”
وفي أحد محافل المملكة، وبينما كانت “شاديرا” تُعدّ كلماتها لتسأل عن مصير الذهب والبطاقات، بادر أحد حراس العنكبوت وقال أمام الحشد:
“نشكر شاديرا على تبرّعها السخي لطابعة المملكة!”
فامتلأت القاعة بالتصفيق، بينما احمرّ وجهها بين ذهولٍ ودهشة، وقد أدركت أن البطاقة لم تكن إلا طيفاً من خيالٍ، والعنكبوت قد ابتلع كل شيء… الذهب، الجهد، والكرامة.
ومن يومها، صارت تُحذّر:
“ليس كل من يحمل وشاحاً فارساً… بعضهم مجرد خيوط على شبكة.”

مبارك بن عوض الدوسري

@mawdd3

مبارك عوض الدوسري

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى