الحج بين الماضي والحاضر

بقلم✍🏼:ناصر ال عون
الحج بين الماضي والحاضر
لطالما كان الحج رحلة العمر التي تتوق إليها قلوب المسلمين من كل أصقاع الأرض، تجربة روحية وجسدية تجمع بين مشقة الطريق ولذة الوصول. وبين ما كان عليه الحج في الماضي، وما أصبح عليه اليوم، تسكن حكايات الأجيال، وتتعانق صور التضحية والتطور.
في السابق، كان الحاج يستعد لشهور وربما لسنوات، يجمع الزاد والراحلة، ويودع أهله وكأنه لا عودة. كانت القوافل تسير عبر الصحارى والجبال، يتعرض الحجاج لمخاطر الطريق من عطش وجوع وقطاع طرق، وكان الوصول إلى مكة المكرمة بحد ذاته يعد نصراً عظيماً، يرفع مكانة الحاج في مجتمعه، ويُلقب بـ«الحاج» مدى الحياة. ورغم الصعوبات، كان الحجاج يجدون في التعب لذة وفي المشقة رفعة، تعمق شعورهم بالإنجاز الروحي.
أما اليوم، فقد تبدلت الملامح، وإن بقي الجوهر واحدًا. أصبح الحج ميسرًا بوسائل النقل الحديثة؛ الطائرات تنقل الحجاج من قارات بعيدة في ساعات، والطرق الممهدة تربط المشاعر المقدسة بسلاسة، والمخيمات مجهزة بأنظمة تكييف وخدمات طبية متطورة. ومنظومة «بطاقة الحج الذكية» والخدمات الإلكترونية أسهمت في تسهيل تنقل الحجاج وتنظيم حشودهم بشكل غير مسبوق.
ورغم أن بعضهم يرى أن الحج فقد شيئًا من “طعم المشقة القديمة”، إلا أن التيسير الذي نشهده اليوم يعكس مقصدًا نبويًا عظيمًا، فدين الإسلام بُني على التيسير لا التعسير، ورفقًا بالمسلمين الذين يتوافدون بالملايين من شتى الأعمار والظروف.
يبقى الحج، في ماضيه وحاضره، مدرسة للإيمان والتجرد، سواء قطع الحاج آلاف الأميال على ظهر دابة، أو حجز تذكرته بنقرة زر. يختلف الزمان، وتختلف الوسائل، لكن تظل الكعبة مقصد القلوب، وزمزم ماءً يروي الأرواح، وعرفة موقفًا لا يتكرر في العمر إلا مرة واحدة.