كُتاب الرأي

الإشاعة: نَفَسُ الباطل في ثوبِ الحق

الإشاعة: نَفَسُ الباطل في ثوبِ الحق

في زمنٍ تتلاحقُ فيه الأخبار كما تتسارعُ الأنفاس وتتناثرُ العبارات كما تتناثرُ الأمطار وتتشابكُ الحقائقُ مع الأوهام تحت وطأة البحث عن الإثارة أو سعيًا خلف زيادة المتابعين تولدُ الإشاعةُ من رحمِ الغموض وتترعرع في أحضانِ الجهل فتخرج على الناس كالسُّحُبِ الرمادية تُخفي نورَ الحقيقة وتغمرُ العقول بضبابِ الشكّ والريبة.
الإشاعةُ كلمةٌ بلا شاهد وخبرٌ بلا سند ونبأٌ عارٍ من الصدق والرشد.
هي نَفَسٌ كاذب يتسلل إلى المجالس ويتردد في الهواتف ويتكاثر في زوايا المنصات فيكسو الباطلَ بحُلّةِ الصدق ويزرع الاضطرابَ حيثُ يجب أن يسكن الاطمئنان.
كما تتعدد ألوان السموم، تتنوع الإشاعاتُ في مسالكها ومآلاتها:
• سياسية: تفتكُ بالثقة وتُشوشُ الوعي وتثيرُ البلبلة حول الشخصيات والقضايا.
• اجتماعية: تخرّب العلاقات وتغتال السمعة وتُطلقُ النارَ على المروءات من خلف ستار.
• اقتصادية: تُربك الأسواق وتُسقط المؤسسات وتُشعل نار الذعر في قلوب المستثمرين.
• صحية: تنشرُ الوهم وتُروّجُ للخرافة وتُهدد حياة الإنسان بجهلٍ مغلّف بثقةٍ زائفة.
الإشاعة لا تنتشر إلا إذا وجدت لها تربةً رطبة وهواءً ساكنًا ومنها:
• غياب العلم وضمور الوعي: إذا احتجبت الحقيقة ساد الباطلُ في ثوب اليقين.
• الفراغ الفكري والعاطفي: حيث تكثر الألسنة الفارغة تكبر النيران من شرارة.
• الخوف والقلق: النفسُ المرتابةُ تتلقفُ كل ما يُقال وتروّج له دون تروٍّ أو تثبّت.
• وسائل التواصل الاجتماعي: منصاتٌ شاسعة إن لم تُستخدم بحكمة صارت مزرعةً للأوهام وسوقًا للكذبِ المعلّب.
الإشاعةُ ليست همسًا عابرًا بل سهمًا غادرًا وآثارُها تترك ندوبًا في جسد المجتمع:
• اضطراب نفسي: تسرق النوم من العيون وتغرس الرهبة في الصدور.
• تمزّق اجتماعي: تفرق الجمع وتُفسد الود وتزرع الشك بين الأحبة.
• خسائر اقتصادية: تُطيحُ بأسهم وتُغلق أبوابَ رزق وتُهدرُ جهود السنين.
إن أرَدنا النجاة من زيفها فعلينا أن نتسلحَ بالوعي ونرتدي درعَ التثبت:
• تروّ قبل أن تنشر وتيقّن قبل أن تنقل.
• ابحث عن المصدر فليس كل ناقلٍ ناصح.
• كُن فلّاح الحقيقة لا تاجرَ الأكاذيب فإن المروجَ للباطلِ شريكٌ في الإثم.
بين الحقيقة والخيال شعرة وبين الانتباه والانخداع لحظة.
فلنكن من أهلِ البصيرة لا البصمة نُسائل كل خبر ونُمحص كل رواية ونُحسن الظن لكن لا نُسلم العقل.
فليس كل ما يُقال يُقال،
ولا كل ما يُنقل يُقبل،
ولا كل ما يُشاع يُصدق.

كاتب رأي وإعلامي

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى