كُتاب الرأي

الى جنة الخلد أبا فارس

الى جنة الخلد أبا فارس

بقلم / سعد سعيد الحارثي

كم كانت فجيعتي وأساي وحزني عندما هاتفني الأبن الدكتور ماجد بن حامد يٌخبرني أن والده أنتقل إلى جوار ربه إذ وافته المنية يوم الجمعة الموافق 3/12/1446هـ بعد أن لازم السرير الأبيض فترة من الزمن ليست بالقصيرة كان فيها يعاني من مرض عضال ،(رحم الله) عمي ووالدي وقرة عيني وصديقي ورفيق دربي الذي غمرني بحبه وأسكنني بقلبه رحمة الأبرار.
ان علاقتي بعمي حامد (يرحمه الله) تفوق معاني التعبير ويعجز عنها القلم. وأن عجز قلمي عن البوح فبحر مشاعري تجاه عمي بحر بلا حدود.
عشنا معًا ردحاً من الزمن في دار واحدة تحف بنا مشاعر الحب والوفاء رحلة حياة لها زهوها ورياضها وصدق مشاعرها داخلني منها شعور بالرضاء وأظن عمي كذلك يملك مشاعر إنسانية صادقة بواعثها متسامية صنعها حسن خلقة ومحبته ورعايته وتربيته لنا نحن أبناء أخيه سعيد الذي كان يحبه حبأً كثيرًا ويحترمه احترام الابن لأبيه.
كنا دائمًا لا نجده إلا في مواطن الخير وجبر الخواطر وصنائع المعروف ترى الخير في أقواله وأفعاله ومواقفه يؤمن (يرحمه الله) بأن الحياة رحلة لا يبقى منها إلا كرم الأخلاق وحسن التعامل والأثر الطيب.
غادر الحياة وله حضور دائما في دواخلي العامرة بصدق الوفاء تجاهه لأن له مع الوفاء نسب وخال. وأن تخلل رحلتي الطويلة معه ما يحسبه تقصيرًا مني في حقه فلطفه أكبر وعفوه أعظم وكأن لم يكن شيئا.
عاش أول حياته في قريته ( مسيكة ) في محافظة ميسان في كنف أخيه الأكبر سعيد بن صالح الذي رعاه أبنًا وأحبه أخًا ثم أنتقل إلى مكة المكرمة للعمل وكسب العيش الهني وهو يافع لكنه كان ذكيًا مجتهداً مثابراً فقد جمع بين العمل والدراسة المسائية حتى حصل على المرحلة الابتدائية ثم أنتقل إلى الرياض العاصمة والتحق بوزارة المعارف آنذاك وقد وجد من مجبة رؤسائه وزملائه ما يغنيه عن العودة إلى قريته.
وكان (يرحمه الله) صاحب خط واحد لا يحيد عنه إلا للتحسين والتطوير.
حدثني أحد أبناء القبيلة عن عمي حينما كان في الرياض قائلاً: بأن أبناء القبيلة يذهبون إلى الرياض العاصمة للبحث عن الوظائف الحكومية في الوزارات المختلفة ولا يجدون من يعينهم بعد الله ويساعدهم ويعرفهم على مقار الوزارات إلا هذا الرجل (حامد بن صالح ) وكانت داره مفتوحتًا للجميع وعطائه لا ينقطع عن الجميع حتى يجدوا لهم الوظائف التي يسعون للحصول عليها فضلاً, عن توسطه لدى المسؤولين لتحقيق رغباتهم, وظل على هذه الوتيرة حتى أنتقل إلى جدة وتزوج وبنى حياة جديدة ممتعة تحف بها مشاعر المحبين له حباً بحب ووفاء بوفاء وما جزاء الاحسان إلا الاحسان.
بيني وبينه صلة في العلم والمعرفة والتلمذة ويجمعنا النسب. عمي (يرحمه الله) قروي المنبت حضري النشأة يراوح بين قيم منبته وخلفية نشأته مراوحة من يحسن قطف الثمار الطيبة من أحسن الشجر متوافق الأصالة مع المعاصرة في شخصية واحدة تحترم الواجب وتتسامى عن الصغاير ،اكتسى بالعلم والمعرفة والوفاء. تعرفه فلا يتجاوزه الاعجاب عرفه الناس فحبوه وتعايشوا معه بالتجربة فقدروه وانزلوه منازل الرجال ذوي الأصالة العربية ،عنده نقاء في الفطرة ونفاذ في البصيرة وثقة في النفس وشموخ في الهمة يدعم الإيجابيات ويتلافى السلبيات، عاش ليكون أنساناً وتربى ليكون نبيلاً صاحب قيمٍ عالية وصفات سامية أحاطت به مشاعر الأهل والأصدقاء والزملاء .
رجل قبيلة من الطراز الرفيع أسهم مع كثير من رجال القبيلة في صناعة مشاريع القبيلة التكافلية. لا يعرف الحسد ولا البغضاء ولا الكراهية ولا يعرف إلا الصدق فهو صادق وبينه وبين الكذب عداوة كنت لا أنس إلا به ومعه وسيبقى في ذاكرتي ما دمت حياً.
ربى أبنائه أحسن تربية وعلمهم أحسن تعليم فهو لهم أب وصديق وصاحب يتعامل معهم برحابة صدر يتعب نفسه ليريح الأخرين أُشبهه بصاحب مزرعة يتتبع قنوات الري فيها ليزيل ما يمنع جريان الماء حتى يصل إلى كل شجرة فيها رايته بيضاء مع الجميع سيحمل تلك الراية من بعده فارس واخوانه لإكمال المسيرة والبقاء على ما صنعته يمينة ومما استفادوا من عطاءه وتجربته.
قد تكون شهادتي لصالح عمي مجروحة بحكم ما يربطني به من الحب والتواصل والصداقة والزمالة والاخوة المتلازمة فمعرفتي به وثيقة وخبرتي به لصيقة متجردة من الانطباع لأني لا أُعالج تاريخ هذا الرجل بمجرد الانطباع البحت وإنما من واقع معالجة ذهنية لمواقفه المتميزة.
ليعذرني أبناء عمي وأخواني أن لم تسعفني اللحظة للتوفيق بين الكلمة وما تحمله من دلالات أن ذالك لا يعني أرتباك الاستدلال لكنه أرتباك الأدوات في إيجاد العبارة والأسلوب لتكفي لترجمتها برؤية ووضوح كما أن المشاعر لا تصدأ بمرور الزمن فهي أن صدقت وهي صادقة يدوم بها منطق الحقيقة وصدق القول ، وأشهد أنه نبيل يساوي أمة في صدقه وأخلاقه وبعد نظره ووفائه ومحافظته على دينه وقيمه ومبادئه.
وأن قصر قلمي عن ذكر وكتابة ما يجب عن مسيرته الحياتية الجليلة فأن كرم الله وواسع فضلة وإحسانه هو الارجى في مكافئته ورفع درجته عنده، أسأل الله العلي القدير أن يجزيه خير الجزاء على ما قدم ، وأن يجعل كل ما قدمه من خير في موازين حسناته ،وأن يرزقه قطف زهور جناته ويسقيه من حوض نبيه ويسكنه دارًا تضيئ بنور وجهه الكريم .

مساعد مدير التعليم بمنطقة مكة المكرمة 

 

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى