كُتاب الرأي

الحرية الواعية: أساس الكرامة ومسؤولية الوعي

سويعد الصبحي

 

الحرية الواعية: أساس الكرامة ومسؤولية الوعي

الحرية ليست مجرد كلمة تُقال أو شعار يُرفع بل هي جوهر إنساني عميق يتجلى في قدرة الإنسان على اتخاذ قراراته بنفسه والتعبير عن أفكاره ومعتقداته واختيار طريقه في الحياة دون إكراه أو تسلّط. 

إنها حق فطري وركن أساسي من أركان الكرامة الإنسانية ولكنها في ذات الوقت مسؤولية كبرى لا تكتمل إلا بالوعي والاتزان.

الحرية في جوهرها الإنساني

منذ بداية الخليقة والإنسان يسعى للحرية. 

فهي التي تمكّنه من تطوير فكره واستكشاف ذاته والتفاعل مع من حوله بشكل ناضج. 

وقد ارتبطت الحرية على مرّ العصور بالتحرر من القيود الظالمة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو فكرية. 

ومع تطور المجتمعات أصبحت الحرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم المواطنة والعدالة والكرامة.

لكن هذا المفهوم لا يجب أن يُفهم بشكل مطلق أو منفصل عن الواقع فالحرية لا تعني أن يفعل الإنسان ما يشاء دون رقيب بل تعني أن يمارس اختياراته بما لا يضر الآخرين وضمن الإطار القانوني والأخلاقي الذي يحمي المجتمع من الفوضى والاعتداء على الحقوق.

الحرية والمسؤولية: وجهان لعملة واحدة

لا يمكن الحديث عن الحرية دون التطرق للمسؤولية. فكل حرية يجب أن تُقابل بوعي يُدرك ما لها وما عليها. 

حرية التعبير مثلًا لا تبرّر الإساءة أو التحريض أو نشر الفتن بل هي أداة للحوار البنّاء والتعايش السلمي. وحرية المعتقد لا تبيح التعدي على ثوابت المجتمع أو نشر الأفكار الهدّامة. 

فالمجتمع السليم هو الذي يوازن بين حرية الفرد واستقرار الجماعة ويضمن أن تُمارس الحريات دون أن تكون سببًا في الإضرار بالنظام العام أو القيم السائدة.

ومن هنا تظهر أهمية التربية على الحرية فليست كل المجتمعات قادرة على ممارستها بشكل سليم ما لم تُغرس في نفوس الأفراد مفاهيم الاحترام والوعي والانضباط. 

وهنا يأتي دور الأسرة والتعليم ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والثقافية في ترسيخ مفهوم (الحرية الواعية).

أشكال الحرية في المجتمع

الحرية لا تقتصر على مجال واحد بل تتنوع بحسب مجالات الحياة المختلفة. 

ومن أبرز صورها:

حرية الرأي والتعبير: وهي من أهم صور الحرية لكنها يجب أن تُمارس بأدب الحوار واحترام الآخر وعدم نشر الشائعات أو المعلومات المضللة.

حرية الفكر والمعتقد: ويشمل ذلك حرية الإنسان في أن يؤمن بما يشاء أو يفكر بالطريقة التي يراها مناسبة ما دامت لا تتعارض مع النظام أو تدعو للعنف والكراهية.

حرية العمل والاختيار: وهي قدرة الإنسان على اختيار مهنته أو مساره الدراسي أو نمط حياته ضمن حدود القانون والأنظمة المعمول بها.

حرية التنقل والخصوصية: وهي من الحريات الشخصية الأساسية التي تحفظ كرامة الإنسان واستقلاليته.

في المملكة العربية السعودية تُحترم الحريات ضمن إطار الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية ويتم التعامل معها من منطلق التوازن بين حق الفرد ومصلحة المجتمع مع التشديد على أن الحرية لا تعني تجاوز الثوابت أو الخروج عن النظام العام.

الحرية ركيزة للتنمية والازدهار

من أبرز ثمار الحرية أنها تفتح آفاق الإبداع والابتكار. فحين يشعر الفرد أنه قادر على التعبير والمشاركة دون خوف فإنه يصبح أكثر إنتاجًا وانتماءً لمجتمعه. والحرية التي تُمارس بوعي تُسهم في بناء أجيال مستقلة فكريًا متصالحة مع ذاتها وقادرة على النهوض بأوطانها.

كما أن المجتمعات التي تحترم الحريات وتربطها بالمسؤولية هي مجتمعات مستقرة أقل عنفًا وأكثر عدلًا. 

لأن الشعور بالحرية يولّد شعورًا بالمساواة ويمنع الإقصاء والتهميش ويعزز مناخ الثقة والتسامح.

في الختام: الحرية تبدأ من الذات

الحرية ليست منحة تُعطى ولا قوة تُنتزع فقط بل هي حالة داخلية تبدأ من فهم الإنسان لنفسه وتقديره لحقوق غيره وعلينا أن نعلّم أبناءنا أن الحرية لا تعني الخروج عن القانون ولا التعدي على الآخرين بل تعني أن نكون أحرارًا في قراراتنا مسؤولين عن تصرفاتنا حريصين على وطننا مدركين لقيمنا ومتمسكين بأخلاقنا.

فالحرية الحقيقية ليست أن نفعل ما نريد بل أن نختار ما هو صواب وأن نحترم في اختياراتنا ضميرنا وديننا ومجتمعنا.

كاتب رأي وإعلامي

 

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى