كُتاب الرأي
هل سيفقدك أحدٌ بعد موتك ؟!

هل سيفقدك أحدٌ بعد موتك ؟!
في رحلة الحياة الدنيا الجميلة الرائعة ! والقصيرة جداً! مهما خُيل إليك أنها طويلة! وأنها مديدة ! وأنّك قادر على خوض غمارات شهواتها وشبهاتها ! والنجاة منها ! فذلك كله مما يخلقه ويصنعه المرء لنفسه ! وفي تصوراته وأفكاره فقط !
وقد تتبين وتظهر تلك الحقيقة الكبرى عن الموت عند الحديث عنه ! وكذلك عند مشاهدة والوقوف على الأموات في من الأقارب والأرحام والزملاء والأحباب والناس عامة ! بل عندما تنزل في جوف القبر لتضع أحب وأعز وأفضل وأحسن وأكرم الناس لديك فيه ! ثم تواريه بالتراب !
الخوف من الموت ! أو الخوف من الحديث عنه فقط عند بعض الناس طبيعي ! فالنفوس والفطر السليمة جبلت وفطرت على الخوف من العالم الغريب الجديد والذي لا تعرف عنه إلا اليسير من المعارف والمعلومات! وكذلك الموت ورحلة الموت ودار البرزخ ليس للإنسان المسلم إلا ما نطق به القرآن الكريم وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !.
التصورات والأفكار والقناعات البشرية للموت وما وراء الموت مختلفة ومتباينة باختلاف البشرية ! فالصينيون واليابانيون والكوريون وأكثر بلاد الهند من البشر وكذلك سكان قارة إفريقيا من غير المسلمين لهم التصورات الغريبة والعجيبة عن الموت وعن ما وراء الموت !
ففكرة حرق الأموات أو البناء على قبورهم تلك المباني الكبيرة الواسعة والتي وجدت طريقها نحو المسلمين عبر الإختلاط والتقليد لهم ! وكذلك ما كان يعتقد من دفن بعض الأشياء الثمينة مع الأموات حتى ينتفعوا بها في دار الأموات والموتى! وهذا مما يظن أنه السبب الرئيس في بناء الأهرامات المصرية ! والتي بنيت على قبور الملوك والعظماء والذين يعتقدون أنهم آلهة!
كانت وما زالت فكرة البقاء والدوام والاستمرار في الحياة حتى بعد الرحيل من دار الدنيا الجميلة الرائعة إلى دار الحياة الأخرى هي الفكرة الحيّة والحاضرة في العقول والنفوس والقلوب والأرواح والألسنة عند الملأ من الناس !
وهذا كما قدمنا طبيعة النفوس البشرية ترغب في البقاء والخلود إلى ما لا نهاية ! ولذلك شقيت في ترك الآثار والعلامات العظيمة والكبيرة التي تدل عليها من المباني والثقافات والحضارة الضخمة والمدنية العظيمة المنظمة
والسؤال العظيم لكل النفوس البشرية السليمة الطيبة الجميلة المباركة الكريمة ؛ من سيذكرك بعد موتك ؟!
من سيفتقدك بعد مماتك ؟! من سيردد اسمك بعد عام رحيلك عن الدنيا ؟! من سيقف على قبرك كل فترة ويسأل لك الرحمة والمغفرة؟!
هل نظن أن أولادنا سوف يعيشون على ذكرانا طويلاً ؟! هل نظن ان من شتتنا شملنا لنجمعه سوف يذكرنا ولو بدعوة صالحة؟! هل ستفقدنا البيوت الطيبة والمنازل الجميلة؟! هل ستقف دنيا الناس ولو لحظة لتتذكرنا؟!
هل ستقف حركة العالم عند موتنا ؟! هل سيتوقف الهواء عن الحركة ؟! او الأنهار عن الجريان؟! هل سيموت الفرح مع موتنا ووفاتنا ؟!
واقع الحال يقول إن الناس مشغولون عنك ! وعن مرضك ! وعن موتك ! حتى وعن حياتك وإنجازاتك ! فالناس مشغولون في دنياهم وحياتهم ومعاشهم وهمومهم وغمومهم وأحزانهم وأفراحهم ! وهم حقيقة مشغولون عنك ! فلا تنتظر طويلاً حزنهم عليك ! ولا بكائهم عليك ؟!
هذه الأيام الطيبة والليالي يكتفى أهل الميت بالتعزية في المقبرة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط !
فهل سيفقدك أحد بعد موتك ومماتك؟! زار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه المقبرة ووقف على القبور وسلم على أهلها ثم قال : يا أهل القبور أخبرونا بخبركم ؟ ونخبركم بخبرنا؟! أمّا أخبارنا؛ فالأموال التي تركتموها قد وزّعت على الورثة ! وأما الدور والمنازل ؛ فقد سكنها غيركم ! وأمّا النساء والزوجات فقد تزوجن غيركم ! فأخبرونا بخبركم أنتم ؟! ثم قال لأصحابه : أمّا إنهم لو نطقوا لقالوا : إن خير الزاد التقوى !.
لذلك على الإنسان المسلم الكيس الفطن اللبيب أن يعلم أنه ليس للإنسان إلا ما سعى ! وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ! فعليه أن يترك الآثار الطيبة الجميلة الحسنة في الدنيا ، وأن يعمل للآخرة ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً !.
قال شاعر العربية الكبير أبو الطيب
المتنبي رحمه الله تعالى:
وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ
وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ
وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي
مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ !
