كُتاب الرأي

روحانية تتجلى في حضن الطهر

روان الوذيناني

روحانية تتجلى في حضن الطهر

حين يدخل رمضان مكة، تتغير ملامحها، وكأنها تستعد لاستقبال وفود العاشقين، فتفتح أبوابها للوافدين بقلوبٍ نقية تحمل الشوق والتوبة. هنا، حيث تعانق الأرض السماء، يذوب التعب بين السجدات، وتزول هموم الدنيا في لحظة خضوعٍ بين يدي الرحمن.

الحرم المكي يفيض بالمصلين، وجوه تكسوها الطمأنينة، وعيونٌ دامعة تترقب المغفرة، وأرواحٌ ترفرف بين الرجاء والخشوع. صوت الإمام ينساب بين الأروقة، يملأ القلوب بالسكينة، يذيب القسوة، ويبعث في الأرواح حياةً جديدة.

في مكة، الإفطار ليس مجرد طعام، بل لحظة لقاء، يجتمع فيها الغريب مع القريب، يتقاسمون التمر والماء والدعوات الصادقة. موائد الرحمن تمتد كبحرٍ بلا شاطئ، وأيادي الخير تلامس الجميع، وكأن رمضان هنا يحمل من اسمه نصيبًا مضاعفًا من الرحمة.

التراويح في الحرم ليست كأي صلاة، هي همسات المشتاقين، ونداءات الغائبين، ورجاء العائدين إلى الله. تتعالى الأصوات بـ”آمين”، فتشعر وكأن الأرض كلها تدعو في لحظة واحدة، وكأن الملائكة تردد معهم الدعاء.

وفي الأزقة القديمة، حيث التاريخ يتحدث، تعيش مكة رمضانها بين أصالة الماضي وبركة الحاضر. خطوات الساعين بين الصفا والمروة تروي قصة الصبر، وأيادي الطائفين تلمس أستار الكعبة، كأنها تبحث عن الأمان في أحضان الرحمة.

الليل هنا ليس كأي ليل، بل هو سكون يخترقه الدعاء، هو نورٌ ينبعث من نوافذ الحرم، هو قيامٌ وسجود، وتلاوة تملأ الزوايا بالبركة. كل زاوية، كل حجر، كل نسمة هواء، تحمل سرًّا من أسرار الطمأنينة التي لا يعرفها إلا من ذاق حلاوة القرب.

مكة في رمضان، ليست مجرد مدينة، بل روحٌ تسكن القلوب، ومكانٌ يفتح أبوابه للراحلين عن همومهم، الباحثين عن غفرانٍ لا ينتهي، وعن دعوةٍ تُكتب في السماء ولا ترد.

كاتبة رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى