كُتاب الرأي

_من شرارة الغيرة إلى ظلام التقليد الأعمى_

_من شرارة الغيرة إلى ظلام التقليد الأعمى_

الغيرة شعور بشري يولد مع الإنسان، فهي انعكاس لرغبة دفينة في الامتلاك أو بلوغ مكانة ما. لكن الغيرة ليست دائمًا عدوًّا؛ فأحيانًا ما تكون محرِّكًا للتغيير ودافعًا للتطوُّر، إذا أحسنَّا توجيهها، فالغيرة التي تتحول إلى حافزٍ تُشعل فينا الإصرار، لكن حين تفقد بوصلة الوعي تنحرف لتصبح تقليدًا أعمى، يسرق منا تفرُّدَنا ويشوِّه هويتنا.
الغيرة الناضجة تقول لك: “خذ ما يلهمك من نجاح الآخرين، وصُغ منه نجاحك الخاص”. أما الغيرة المريضة فتقول: “انسخ خطواتهم كما هي، حتى لو لم تناسبك”. وفي اللحظة التي نستسلم فيها لهذا التقليد الأعمى، نكون قد دفنَّا تفرُّدنا تحت أقدام الآخرين، واخترنا أن نكون صدى بدلًا من أن نكون صوتًا.
“من يحاول أن يكون شخصًا آخر يفشل في أن يكون نفسه.” – رالف والدو إمرسون.
التقليد الأعمى لا يصنع مجدًا، بل يصنع نسخًا مشوّهة، فالشجرة لا تنمو وهي تتمنى أن تصبح نهرًا، والبحر لا يثور لأنه لا يملك صلابة الجبال. كل كائن خُلق بملامحه الخاصة، وبصمته التي لا تتكرر، فلماذا نصرُّ أن نُفرِّط فيما يميزنا لنعيش في ظلِّ غيرنا؟
الغيرة حين تُوجَّه بالوعي، تُصبح دافعًا لتوسيع الأفق، واستلهام التجارب، وصناعة خطوات جديدة. أما حين تُترك بلا وعي، فإنها تتحوَّل إلى سجن يقيِّدُنا في تقليدٍ عقيم. فالذي يقلِّد لا يسبق، بل يبقى دائمًا خلف الأصل الذي يقلِّده، مهما اجتهد.
الغيرة الإيجابية: أن أرى نجاح غيري فأقول: “أستطيع أن أخلق شيئًا مختلفًا يليق بي”. والغيرة السلبية: أن أرى نجاح غيري فأقول: “سأكون هو، ولو فقدتُ نفسي”.
“أفضِّلُ أن أفشل في أن أكون أنا، على أن أنجح في أن أكون نسخةً من غيري.” – مجهول.
إن أخطر ما في التقليد الأعمى أنه يُطفئ صوتنا الداخلي، ويتركنا نركض في طرق ليست طرقَنا، ونلبس أثوابًا لا تناسب هيئتنا. وحين نُفيق، نجد أننا قطعنا طريقًا طويلًا، لكننا لم نتحرك خطوة واحدة نحو أنفسنا.
الحياة لا تحتاج إلى تكرار، بل تحتاج إلى تفرُّد، إلى أشخاص يؤمنون أن أصغر بصمة أصيلة أعمقُ أثرًا من أكبر نسخة مكررة. فلنحوِّل غيرتنا إلى مرآة نرى فيها ما يمكن أن نصبح عليه، لا إلى قيدٍ يربطنا بظلال الآخرين.

فاطمة الصباح
X @fatemah_sab

 

فاطمة الصباح

كاتبة رأي

‫8 تعليقات

  1. كما لا شك فيه ان الغيرة لدى النفس الطموحة محفزة وتعتبر دافعاً تنافسياً يسهم في دفع عجلة التطور البشري في اي مجال ، أما في حالة النفس العدائية تكون تلك الغيرة مدمرة لصاحبها ، ربما يستطيع تدمير الاخر لكنه بالتأكيد سوف يدمر نفسه بشكل اكبر وقد كانت الغيرة موضوع بحث منذ عصور قديمة وتحدث عنها الفلاسفة بشكل تحليلي موسع .
    مقال شيق وجميل استاذة فاطمة

  2. الغيره حالات
    شخص يغار من نجاحات شخص ويقلده وتعود بالمنفعه العامه تكون منافسه شريفه وغيره تؤدي الى الهلاك كتقليد اعمى لايعرف نهاية طريقه غيره بحسد وغيرة اطفال هذه براءه.

    تمنياتي لك بدوام النجاحات 🥰👌

  3. الغيره حالات
    شخص يغار من نجاحات شخص ويقلده وتعود بالمنفعه العامه تكون منافسه شريفه وغيره تؤدي الى الهلاك كتقليد اعمى لايعرف نهاية طريقه غيره بحسد وغيرة اطفال هذه براءه.

    تمنياتي لك بدوام النجاحات 🥰👌

  4. رائع أستاذة فاطمه ،، هنا كأنك تقولي أن الغيرة الناضجة بمعنى الغبطة،،
    مع أن كلمت الغيره بذاتها يراها الكثير بأنها صفة مذمومة،تتولد من الحسد.

    1. قد تكون غبطة لمن يغار لأجل التطوير … لكن قد تكون ايضاً نار تأكل من يغار لأجل الحسد والتقليد الأعمى الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى طريق لايُعرف نهايته

      شكراً لحضوركم وتعليقكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى