الانحلال الخلقي والشرف

في عالمٍ تسود به المادياتُ وتتحكمُ فيهِ رغباتُ النفسِ البشريةِ وحبِ الحياةِ الدنيا ، يبرزَ التساؤلُ عنْ مكانةِ الشرفِ والضميرِ الحيِ في قلوبِ البشرِ، هلْ تراجعتْ هذهِ القيمِ النبيلةِ وأصبحتْ مجرد ذكرياتٍ نتغنى بها في الأمثالِ والحكاياتِ ، أمْ أنها لا تزالُ تمثلُ جوهرَ الإنسانِ وأساسِ تماسكِ المجتمعِ ؟
يرتبطَ الشرفُ والضميرُ الحيُ ارتباطا وثيقا بالقيمِ الأخلاقيةِ والمبادئِ الراسخةِ التي تعتبرُ بمثابةِ الغذاءِ الروحيِ للإنسانِ ، فهما ينيرانِ دربهُ ويوجهانِ بوصلتهُ نحوَ الصوابِ، الشرفُ ليسَ مجردَ كلمةٍ تقالُ ، بلْ هوَ سلوكٌ يعاشُ وواقع يظهرُ الفردُ في أنبلِ صورةٍ ، ويجعلَ منْ ضميرهِ الحيِ رقيبا داخليا لا يهدأُ .
إنَ الضميرَ الحيَ هوَ الشاهدُ الصامتُ الذي لا يغفلُ ، والحارسُ الأمينُ الذي إنْ نامتْ العيونُ بقيَ مستيقظا، هوَ ذلكَ الصوتِ الهادئِ الذي يترددُ في أعماقنا ، مذكرا بالواجبِ ، وناهيا عنْ الخطأِ ، ومحفزا على الخيرِ ، ولكنْ ماذا يحدثُ لنا عندما تصابُ ضمائرنا بالخمولِ أوْ تموتُ ؟!
موتُ ضمائرنا هوَ إحدى أكبرِ مآسي عصرنا الحديثِ ، فعندما نغلقُ أذنينا عنْ أصواتِ ضمائرنا ، يسهلَ علينا مسايرةُ الظلمِ ، والتواطؤُ معَ الفسادِ ، و التعامي عنْ رؤيةِ الحقِ ، والشرفُ يصبحُ في خبرٍ كانَ ، ويتحولَ الغذاءُ الروحيُ لمجردِ وجبةٍ يوميةٍ منْ الأهواءِ والملذاتِ والشهواتِ .
فالحياةُ الدنيا تغرينا بزخرفها وتغرقنا في ملذاتها المؤقتةِ ، مما يؤدي إلى تغييبِ ضمائرنا وانحرافِ مسارنا ، ويصبح الشرفُ في حينها في مواجهةِ التحدياتِ والمادياتِ ، ونفتنُ بالعاجلِ ونغفل عنْ الآجلِ .
في زمنٍ تتعالى فيهِ الأصواتُ المناديةُ بمتابعةِ مسيرةِ الحياةِ بلا شرفٍ ولا قيم بكلِ ما أوتيتْ منْ قوةٍ وشغفٍ ، يبدو حديثنا عنْ الشرفِ والضميرِ الحيِ في كلِ مرةٍ وفي كلِ مجلسٍ كالحديثِ عنْ القيمِ التي يعتبرها البعضُ اليومَ باليةً أوْ غيرِ متناسبةٍ معَ مفاهيمِ عصرنا الحديثِ ، على الرغمِ منْ أنها هي الأساسُ المتينُ الذي يحمينا منْ السقوطِ في مستنقعِ الانحلالِ الاخلاقي والفسادِ .
الشرفُ يا سادةً هوَ الغذاءُ الذي يتغذى عليهِ الضمير الحيُ ، ويرفعَ الإنسانُ عنْ سفاسفِ الأمورِ ويحثهُ على التمسكِ بالمثلِ العليا، الشرفُ ليسَ مجردَ كلمةٍ تقالُ ، بلْ هوَ سلوكٌ ومعاملةُ وقناعةُ راسخةٌ تعلي منْ قيمتنا وتحفظُ كرامتنا ، ولكنْ في زمنِ قدسنا فيهِ الماديات وأهملنا فيهِ القيمُ ، صارَ الشرفُ عندَ بعضنا كجزيرةٍ عراة معزولةٍ في وسطِ محيطٍ متلاطمٍ منْ الرغباتِ والشهواتِ التي لا تنتهي ، وصنفوا منْ لا يعيشُ فيها معهمْ أغبياء لا يفهمونَ شيئا في الحياةِ وموتهمْ وحياتهمْ سواء .
محمد الفريدي