المناصب بين عدالتنا المفقودة وفسادنا المستشري

محمد الفريدي
كنا شبابا وكان الغضب يتصاعد في صدورنا كالنار المشتعلة في غابة بسبب سلوك بعض زملائنا الذين كانوا يعتمدون على ثرواتهم وثروات آبائهم بدلاً من كفاءاتهم للوصول إلى المناصب الحساسة والمؤثرة.
كانوا يتنقلون بين المناصب التي يريدونها، وكأنها ملك لهم ولآبائهم، أو لعبة بين أيديهم يلعبون بها، و (هم في عنزين ما تسرحهم).
ومن كثرة تبذيرهم و (فتهم) على أصحاب القرار والنفوذ داخل مؤسساتنا كان يخيل إلينا أنهم يمتلكون مطابع للأوراق المالية، ويتعاملون مع فئات العملة الكبيرة (من أمهات الـ500)، وكأنها مجرد أوراق لا قيمة لها، ومع أموال مؤسساتنا الحكومية باستهتار، وكأنها مجرد أوراق عادية.
كان الفساد يُمارس في كل مكان باحترافية، من الوزارات إلى البلديات إلى الشرط، والمدارس والمستشفيات، وينتشر كما تنتشر النار في الهشيم، ويتغلغل في كل زاوية من زوايا الوطن، حتى تسبب في إحباط الناس والموظفين وانعدمت الثقة في مؤسساتنا الحكومية ، وظننا أن دولتنا قد هرمت، أو تسير بأقدامها على خطى الدولة العثمانية نحو الهاوية .
كان الاستياء من هذه الظاهرة يتزايد مع مرور كل يوم، ولم يعد الناس يتقبلون أن يكون المال هو العامل الحاسم في الوصول إلى المناصب، أو يرون زملاءهم يشترونها (بخشم الريال) علنا أي منصب يخطر ببالهم بكل سهولة، والكثير منهم، خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام ومكة والمدينة، كانوا يشعرون باليأس من غياب الفرص الوظيفية في مجتمع تسيطر عليه الرشوة والفساد وشراء المناصب، وترسخ في عقولهم ان كل من يتسنم منصبا هو في الحقيقة تاجر خضعت مناصبه سلفا للعرض والطلب، وفاز بها من دفع في سبيل الوصول إليها ببذخ.
كنا نشعر بصراحة أننا محاصرون بنظام سياسي واجتماعي وإداري لا يعترف بقدراتنا، ولا يمنحنا الفرصة لإثبات أنفسنا، وليت المال كان متوفرا في ذلك الوقت لكنا اشترينا المناصب، منصبا تلو منصب حتى وصلنا إلى المراتب الممتازة مثل غيرنا من الذين لا يعرفون (الألف من كوز الذرة) ووصلوا إلى المراتب العليا .
في تلك الفترة تعالت أصواتنا وأصوات المطالبين بإصلاح النظام، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، وإيجاد آليات جديدة للمحاسبة والشفافية، والتحقيق في جرائم الفساد التي كانت روائحها النتنة تزكم الأنوف، وبإصلاحات حقيقية، لا بإصلاحات تجميلية كما كان معمولا به من قبل ، وتغيير جوهري يعيد لدولتنا ومجتمعنا هيبتهما المفقودة ، ويضمن العدالة والمساواة للجميع.
كنا نعلم جيدا، من خلال دراستنا لتواريخ الأمم التي سبقتنا، وفهمنا العميق لمبادئ ترسيخ الأمن في أي مجتمع، أن الفساد لا يهدد فقط نظامنا السياسي، بل يشكل خطرا عظيما على استقرارنا الاجتماعي وأمننا الاقتصادي، وعلى الوطن بأكمله، ولا يمكن إصلاح مجتمعنا دون التعمق في جذور مشكلاته، وتبني فكرا جديدا، نظيفا، شابا، طموحا يخلصنا من تلك المآسي التي شهدناها، ولم تجد لها في تلك الفترة آذانا صاغية.
ونعيد النظر في مناهجنا التعليمية، ونعمل على تطوير مشروع فكري وطني موحد يعالج الأسباب الرئيسة الظاهرة والخفية التي أدت إلى تفاقم أزماتنا، وأفسدت حياتنا ومجتمعنا، ونناقش بشفافية أسبابها ومسبباتها بعمق وتأني، ونقدم لطلاب كلياتنا حلولا عملية على شكل دروس أو جرعات معرفية مكثفة نرسخ من خلالها عقيدة الولاء والانتماء للوطن.
هؤلاء أبناؤنا الذين نعلق عليهم آمالنا الكبيرة، وكثير منهم تخرجوا من كلياتنا، وتتلمذوا على أيدينا، فأي انكسار يصيبهم، حتى ولو كان فرديا، هو في الحقيقة انكسار لنا جميعا، وانكسار لمنظومتنا الوطنية بأكملها.
وبرغم التطور الملاحظ اليوم إلا أن منظومتنا الوطنية لا تزال بحاجة ماسة إلى حملة فكر نظيف طيب متسامح، يحملون أفكارا نيرة تؤمن بالإنسان السعودي وبمؤسساته، وتراثه، وقيمه، ودينه، ووطنه، وتمنع أي محاولة لجعل شبابه لقمة سائغة لأفكار هدامة قادمة من الخارج أو متسللة إلينا من الداخل.
لهذا، تقع على عاتقنا نحن المتقاعدين من جميع القطاعات مسؤولية كبيرة، فخذوا بزمام المبادرة، ولا تنتظروا من أحد ان يطلب منكم مد يد العون له، ووظفوا إمكانياتكم الفكرية والقيادية لمواجهة الدعوات الهدامة والسلوكيات المنحرفة، بالكلمة الصادقة التي تخرج من القلب، وتصل إلى القلب.
واعملوا بكل جد واجتهاد لمنع أي فرد منا أو من أبنائنا من الانشقاق والخروج على ولاة الأمر ، سواء كان ذلك بدافع المغريات المادية، أو بدافع الوصول للمناصب وبريقها التي لا تقدم، ولا تأخر من حقيقتهم شيئا، وَرَسِّخُوا فيهم بكل ما أوتيتم من معرفة وقوة أن المكانة الحقيقية لا تُقاس بالمال والنفوذ والمناصب الزائلة، بل بالعمل والانتماء المطلق لهذا الوطن، فكل المغريات المحيطة بنا لا تعني شيئا أمام نومة هادئة في حضن وطن يعتبره المشردون من الحروب والصراعات الداخلية في بلدانهم اليوم ملاذهم الوحيد بعد الله عز وجل.
فالوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو كرامتنا وهويتنا، والولاء له هو أعظم شرف يمكن أن نحمله ، والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره مسؤولية كل فرد، فلا تغرنكم زخارف الدنيا، فكل منصب زائل، وكل مال فانٍ، أما الوطن، فهو الباقي، وهو الذي يحمينا في كل الظروف.
كاتب رأي
كلمات لامست الوجدان ،جسدت لنا واقع عشناه بالماضي
سلم قلمك استاذنا المبدع
شكرا من القلب أستاذة فاطمة على كلماتك الراقية، وسعادتكِ بما كُتب يعكس عمق فهمكِ وتقديركِ للمضمون ، أتمنى دائما أن يكون قلمي وسيلة للتعبير عن واقعنا وماضينا بشكل يُلامس القلوب والعقول.
شكرا جزيلا على مداخلاتك المستمرة، وبارك الله فيكِ وفي فكركِ الراقي ، وتقبلي فائق تحياتي واحترامي .
أخوكم / محمد الفريدي
أخي الكاتب الكبير الأستاذ محمد على الفريدي وأنت تمارس سلطتك الأدبية كرئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية وتمنح لنفسك في أعمدة الصحيفة هذه المساحة الكبيرة من الكلمات واللآلي الفضية في محتوى كلماتها فأرفق بنا وأمنحنا شيئا من العدالة التي تنشدها في هذا المقال.
هذا أولاً …
وثانياً وكلامك على مجراه كما يقول المثل: ولك التَّصحيح إن لم يكن المثل مطابقا لما ذكرت في السياق …
أخي الأديب والإعلامي القدير من الطبيعي أن تكون هناك أخطاء مرحلة وقد تستمر زمنا طويلاً للبيروقراطية التي عانت منها مجتمعات كثرة ولكننا في مجتمعنا السعودي نشعر إننا في عهد “الملك سلمان العدل” “وبفن الإدارة وشجاعة القرار” من مهندس الرؤية ٢٠٣٠ الأمير محمد بن سلمان بدأت تلك الأخطاء تتلاشى بل تكاد تكون قد اختفت تماما وفي القادم من الأيام تكون في زمن الماضي …
في ظل رؤية نقدية وتطبيقات تطويرية تسابق الزمن لعلك وأنت تضع قلمك جانباً ليأخذ قسط من الراحة واسترداد الأنفاس وبشيء من التأمل …
أن تلك الأخطاء استطاعت المرحلة الحالية أن تعوضنا كثيرا ممَّا كُنَّا نعانيه من سطوة الذات ومرارة المواقف التي تثير الشباب من أمثالكم ولازلتم كذلك وأقصد شباب الحرف وكتابة المقال المعاصر قياسا على ما كنتم عليه في تلك المرحلة العُمرية.
لعلِّي أطرح عليكم وجهة نظر قد تروق لكم ومن منبر صحيفتكم الغراء في ثوبها الإلكتروني وأرجو أن لا يكون محدود المقاسات ضيق اتساع الصدر هذه وجهة النظر تتمثل في إقامة ندوة حوارية بعنوان” عدالتنا في عهد سلمان العطاء” يشارك فيها نخبة من الأكاديميين وكتَّاب الرأي عن طريق on line وتبث مباشرة لك مودتي وتقديري.
زميلكم/ نائب رئيس التحرير
أخي العزيز الدكتور محمد حامد الجحدلي، تحية طيبة وبعد:
أشكرك من القلب على كلماتك الرقيقة وطرحك القيّم ، وأنت كما عهدتك دائما ، تتقن ما شاء الله صياغة الأفكار وتقديمها بأسلوب يلامس الحقيقة بروح نقدية بنّاءة ورؤية مستقبلية مشرقة.
أتفق تماما مع ما ذكرته حول التحول الذي نشهده في ظل قيادة الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فقد بدأت بالفعل أخطاء الماضي في التلاشي مع تعزيز العدالة والشفافية، ولكن للأسف ما تزال بعض هذه الأساليب تُمارس داخل مؤسساتنا الحكومية في الخفاء حتى يومنا هذا، وإن كانت للأمانة بوتيرة أقل.
اقتراحك بشأن إقامة ندوة حوارية بعنوان “عدالتنا في عهد سلمان العطاء” هي فكرة متميزة وملهمة، وسأعمل بكل سرور على تنفيذها من خلال منبر “صحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية”، وستكون فرصة رائعة لتبادل الآراء مع نخبة من المفكرين والأكاديميين.
أقدر دعمك الدائم وإيمانك برسالتنا الإعلامية، وكم يسعدني أن أكون جزءا من هذا الحوار الذي يُسهم في نهضة وطننا ، وتقبل فائق تحياتي واحترامي.
أخوكم/ محمد الفريدي
سعادة الزميل القدير الأستاذ محمد علي الفريدي رئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية بعد التحية:
أُكْبِرْ في شخصكم الكريم هذه الصراحة المتناهية والتي ينتظرها القاريء وهو أهم مكونات المنظومة الإعلامية شكرا من الأعماق على جزالة ردكم على تعليقي الذي يُعبِّر عن تجربتكم في العمل الصحفي وهي تجربة ثرية نتعلم من أطروحاتها ونثار أخبارها عبر منبر الفكر والرأي في هذه الصحيفة الغراء بفريقها وعدِّتها وعتادها ومكانتها الإعلامية واعتدال الطرح ووضوح المحتوى.
أخي الكبير أبو معتز، أشكرك جزيل الشكر على كلماتك التي تثلج الصدر وتعبر عن عميق تقديرك واهتمامك، و صراحتك واهتمامك بالتفاصيل هما ما يثري أي حوار بيننا، وأعتبره دافعا للمضي قدما في تقديم الأفضل من خلال منبرنا الإعلامي “صحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية”.
أنا فخور جدا بتفاعلك، وأتشرف بأن نكون معا في رحلة القلم و الإعلام والفكر البناء، وكل ما نقدمه، كما تعلم، هو نتاج تعاون فريق متفانٍ، أنت جزء منه، و يتطلع لخدمة هذا الوطن و هذا المجتمع.
لك مني كل الاحترام والتقدير، وأتمنى أن نستمر في إثراء الفكر سويا، و تقبل فائق تحياتي .
أخوك/ محمد الفريدي
مقال رائع بروعة الكلمات كلامك عن الوطن يلمس القلب ويعبر عن حقيقة عميقة. فعندما تقول الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو كرامتنا وهويتنا فإنك تصف جوهر ما يعنيه الوطن لكل منا
الأستاذ سمير الفرشوطي حفظه الله ورعاه
أشكرك جزيل الشكر على كلماتك الرقيقة ، و على اعجابك بمقالي.
إن الوطن يا سيدي بالنسبة لنا جميعا هو أكثر من مجرد مكان، هو شعور وهوية، وهو ما يجمعنا كأفراد في هذا المجتمع.
أسعدني أن وجدت في كلماتي ما يلامس قلبك ويعبر عن هذه الحقيقة ، وآمل أن نواصل معا العمل على تعزيز قيم الانتماء والمحبة لوطننا الغالي ، و تقبل تحياتي واحترامي.
أخوكم/ محمد الفريدي
مقال رائع بروعة كاتبه .. ودائماً كاتبنا يتحفنا بكل جديد وينثر لنا همومه التى هي هموم مجتمع بأكملة ولكنه يصيغها بحروفه الذهبية التى تلامس القلوب وتُشدّ القارئ ..
بداية الحل لأي مشكلة هو الاعتراف بها ومن ثم وضع الحلول لتلافيها مستقبلاً والحزم في تطبيق تلك الحلول ..
(( الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه ، بل هو كرامتنا وهويتنا )) ..
صدقت اخي الكريم .. وطننا غالي وكرامتنا غالية وهويتنا غالية ..
شكراً من القلب لكل حرف كتبت ولكل هم نثرت ولكل حل وضعت ..
تقبل تحياتي .
سعادة المستشار أبو عبدالله حفظه الله ورعاه
أشكرك من كل قلبي على كلماتك الطيبة والرائعة ، و وجود رفيق سلاح و قلم مثلك بيننا يشجعني على الاستمرار في طرح هموم مجتمعنا ومواجهتها بكل شجاعة.
أوافقك الرأي تماما أن الاعتراف بالمشكلات هي الخطوة الأولى نحو الحل، وأن وطننا ليس مجرد مكان بل هو كرامتنا وهويتنا، وسنعمل معا على تعزيز هذه القيم وتحقيق الأمل في مستقبل مشرق لوطننا الغالي.
وتقبل تحياتي واحترامي ، وشكرا جزيلا لدعمك وتشجيعك المستمر.
أخوكم/ محمد الفريدي
مقالة متميزة وفكرة رائدة
تستحق القراءة والتامل
توقفت عند كثير من الجمل المؤثرة حقيقة
سرد الموضوع وتوضيح المشكلة واعطاء الحلول
والتذكير في الاخير با أمان الوطن وحنانه
يجعلني اقدم لك التحية والتقدير لهذا القلم المتمير والفكر الراقي
الأستاذة الفاضلة نعيمة حفظها الله ورعاها
أشكرك من أعماق قلبي على كلماتك الرقيقة ، ويسعدني أن المقال نال استحسانكِ وأن الأفكار التي طرحتها لامست شيئا في داخلك.
الوطن سيدتي هو الحضن الذي يجمعنا جميعا، وما أقدمه هو جزء من واجبي تجاهه، وتجاه أبناءه المخلصين أمثالك.
تحية كبيرة لكِ، و لفكركِ الراقي و لقلمكِ المتميز الذي دائما يثري الحوار ويضيف الكثير.
أخوكم/ محمد الفريدي
أحسنت الطرح أستاذ محمد
بارك الله فيك وفي فكرك
للأسف الفساد مرض يهدم الأمم
و يفكك نظام الدول .
كفانا الله شر الفاسدين و غدر أولو السلطة النافذين
الأستاذة الفاضلة شقراء حفظها الله ورعاها
أشكرك جزيل الشكر على كلماتك الطيبة استاذتي، وأتفق معك تماما فيما ذكرتِه.
الفساد بالفعل مرض خطير يهدم أساسات الأمم ويفكك نظمها، ولكن الأمل دائما بالله أولا، ثم بجهود المخلصين من أبناء الوطن.
نسأل الله أن يحمينا ويحمي بلادنا من شر الفاسدين وأن يُصلح حال أمتنا ويُجنبنا غدر أولي السلطة والمتنفذين.
بارك الله فيكِ وفي قلمكِ وفي فكركِ النيّر، وتقبلي فائق تحياتي .
أخوكم/ محمد الفريدي
قلت مافي النفس سعادة المستشار
النوم الهادئ في حضن الوطن
أخي العزيز الأستاذ علي المالكي حفظه الله
شكرا على كلماتك الطيبة، وبالفعل، لا شيء يضاهي الشعور بالأمان والسكينة في حضن الوطن ، فالنوم الهادئ والعيش في ظله هو أعظم ما يمكن أن ينعم به الإنسان، وهو الحصن الذي نحتمي به جميعا مهما كانت الظروف. وتقبل فائق تحياتي.
أخوكم / محمد الفريدي