فن التغافل

بقلم / حصة الجهني
قالت غلبتُكَ يا هذا ، فقلتُ لها لم تغلبيني ولكنْ زِدتِني كرما
بعضُ المعاركِ في خُسرانِها شرفٌ من عادَ مُنتَصرًا من مثلها انهزما !
“تميم البرغوثي”
من الطبيعي أن تنشأ الخلافات والمشاكل بين البشر، ولايوجد مجتمع يخلو من تلك الخلافات الناتجة عن الاختلاف في طبائعهم ونفوسهم وأفكارهم و……الخ
ومن هنا نحتاج مهارات خاصة في التعامل مع تلك الخلافات ، ومن أهم تلك المهارات مهارة التغافل ، وكيف نتعامل مع الطرف الآخر بمرونة فكرية تجعلنا الأوعى ، فالملام في أي خلاف يفسد العلاقة بين طرفين ليس المخطئ ! إنما اللوم على الأعقل منهما، سواء أكان هذا الخلاف بين زوجين أوبين الأخوة أو الأصدقاء أو غيرهم.
فيجب أن نفتعل انسحابًا تكتيكيًا لاحتواء الطرف الآخر ، وفي الحقيقة أننا نحتوي أنفسنا لنصنع قبسًا داخليًا نضيء به قلوبنا ، فتملؤنا السكينة الدائمة والرضا العميق.
وإن كان الشاعر قد نظم الأبيات السابقة في قوانين (العشق) إلا أنها عبرت أجمل تعبير عن قانون ( المكسب ) والذي تناوله الكاتب ( ستيفن كوفي ) في كتابه العادات السبع الأكثر فاعلية في حياة الناس ، وملخصه أن المكسب لايكون في خسارة الآخر ، فبعض المعارك الخسارة فيها مكسب !
فمهما عصفت رياح الخلافات والنزاعات على بياض أشرعتنا ، فلن تثقب سفينة رست على شاطئ التغافل ومرفأ التنازلات .
فالعفومع المقدرة والتسامح قوة يتسم بها العظماء ، ومروءة تسري في دمائهم .لايستغلون ضعف الخصم ولا قوة الموقف . فالقوي لايُهْزم ! وإن هُزِم فهو المنتصر! منتصرٌ بنقاء روحه وشفافية ورقي أعماقه . فالهزائم الأشد وقعًا هي التي يهزم فيها المرء نفسه ! يغتال بيده قيمه ، ويرقص على رفات مبادئه ، وإن بدأ في ظاهرها أنه منتصرًا.
ويضرب لنا القرآن الكريم أروع الأمثلة في الحفاظ على العلاقات ودوام الود. فمن أعظم مواطن التغافل موقف سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته ” فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ….”
وفي موضع آخر ” مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ” مع أنهم مكروا به لكنّه لم يحملهم الجريمة كاملة ونسب الأمر للشيطان وأشرك نفسه بالخطأ وقال:
{بيني وبين إخوتي} كما قال قبل ذلك: “وما أُبرئ نفسي” .
هكذا هي أخلاق النبلاء، فالزلات الحقيقية تتضاءل أمامهم.
قد يضع المرء أغلالًا من الكبرياء تأسره في عالم نفسه ، وإن رآها في حينها طوق نجاة !
فتأخذه أنفة الكبرياء ويأبى إلا أن ينتصر لنفسه ، ليجد نفسه وحيدا ينفر منه الناس .
فالنسيم لايهب عليلًا على الدوام ، وهكذا هي علاقاتنا مع الآخرين ، ليست صفوًا على الدوام .
فارتقِ بنفسك عن توافه الأمور ، فليس كل حدث جدير بالالتفات ، وروض نفسك على التغافل والتنازل لتسيطر على الأمور وتعلو قيم العطاء.
شكرا جزيلا للدكتور محمد الجحدلي على هذا الترحيب بكاتبتنا المبدعة أ. حصة
فهي حقا تستحق هذا الثناء وبجدارة . ونحن متفائلون بانضمامها لصحيفتنا الغراء👍
أهلا بمن جاءت تضيف لصحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية نثارها الأدبي بين المقالة والقصة تشرفنا بالزميلة الأستاذة الفاضلة حصة الجهني فنعم الأدب والمكانة (نسبا وديارا)! مُقدٍّراً لك في هذا المقال الأدبي بعض الإستشهادات والدلائل ببلاغة البيان وصدق المفردة أكرر الترحاب بكٍ …
رفع الله قدركم دكتورنا الفاضل وأعلى بالذكر الجميل شأنكم ..كل الشكر لترحيبكم المتفرد و أسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم .
والشكر موصول لنبراس الخير في صحيفتكم الأستاذة ابتسام الجبرين ..