( الحياة العمل )

هذا هو العنوان الحقيقي للحياة عامة ؛ يعرف ذلك جميع المخلوقات ما عدا بعض الأنام ! ويتفق في الأرض عمّالها وفي السموات عمّارها على هذه المقولة :أن الحياة من ألفها إلى يائها ، ومن مبدئها إلى ختامها ، ومن سدوم ليلها إلى سطوع نهارها ، هي العمل والجد والحزم والتضحية والفداء والعطاء المتواصل والكدح المستمر وإثارة الغبار منه على الأيدي والوجوه وسائر الأبدان !
إن الناظر إلى سائر المخلوقات من الحشرات الزاحفة والطائرة ، إلى الطيور الماشية والطائرة ، إلى الحيونات الأليفة إلى الحيونات المفترسة كلها تجعل من الحياة الكبيرة هي السلوك والعمل والكدح والتعب ، وإثارة الغبار في سبيل البحث عن الاحتياجات الضرورية والأساسية والمرفهات الحياتية وهي الصادقة في سيرها مع سنن الحياة وقوانينها والمتفاعلة مع كل ذلك التفاعل الحق .
تراقب الطيور والعصافير في صباحها وهي سابحة في الأجواء باحثة عن قوتها وقوت من خرجت لأجل إطعامه وإنعامه !.
وتُسر عندما ترى الفراشات الطائرة للغاية نفسها ، ويلفت بصرك أسراب النمل الجامحة ، وجموع الدواب الثدية وهي تتحرك بإتجاه المراعي لتملأ بطونها من لذائذ الطعام والشراب وربما وأنت مذهول بهذه المشاهد ، تشاهد المزارعين في حقولهم والصيادين قد أقبلوا بنفائس صيدهم نحو الشاطيء لعرضه للبيع والفرح بإنجازهم في هذا اليوم .
تلك صور من صور الحياة النشطة الطبيعية لا يتخلف عن هذا الحراك مخلوق ، مهما كان حجمه ومهما كانت دقة احتياجاته ، الجميع يكدح كدحاً عظيماً ويضرب في الأرض كما غرس الله تعالى فيه ذلك وفطره عليه .
احتياجات اليوم لليوم فقط ، وليس لغيره ، وطعام اليوم لليوم ، وليس لغيره وهكذا ، فالحياة ورشة كبيرة ومشغل عظيم يعمل فيه الجميع بجد واجتهاد ومصنع لتوظيف الطاقات والقدرات والملكات والمواهب. ولا مكان فيه للخاملين العاطلين الكسالى الشاكين الباكين !.
إن طبيعة البحار والمحيطات أنها البيئة المثلى للعاملين في تخومها وتحت هدير أمواجها العالية ، فإذا لفظ الحيوان الساكن فيها أنفاسه فلا مكان له بين المجتمع الحقيقي العامل وإنما مكانه مرمي على تلك الشواطئ البعيدة ، هكذا تتخلص البحار والمحيطات من الذين توقفوا عن العمل ، حتى وإن التوقف بالموت فلا مكان في هذا الخضم الضخم.
لهؤلاء ، لا مكان لهم في الحياة النشطة، في الحياة الموارة ، لا مكان لهم في حياة التدافع والصعود والهبوط والخسارة والربح ، والقوة والأقوى !.
إنها رسالة بل رسائل و توجيهات الطبيعة إلى بني البشر ، إلى أصحاب العقول والقلوب والنفوس والقوى المختلفة أن الدنيا والحياة الدنيا هي العمل المميز والكدح اللذيذ والجهد الكبير ، فلا بد من بذلهم ثمنا لوجودهم هنا ! وجلب السعادة لهم يحتاج إلى دفع الأثمان وربما الأثمان الباهضة في سبيل راحة البال وسعادة الحال والمآل .
إن رفع الوعي وزيادة ثقافة الدعوة للعمل ليس ترفاً ولا هذا من المرفهات أو نوافل الأقوال وفضائل الأعمال ؛ وإنما هو احتياج فطري إنساني وفريضة دينية عظيمة .
إن ما يقوم به الآباء والأمهات قولاً وعملاً من حث أولادهم على أهمية التفوق الدراسي والنجاح في العمل هذا هو العمل الحقيقي ، وهذا هو السبيل الحقيقي ، وهذا هو السلاح الحقيقي لمقارعة الحياة الدنيا .
إن حث الأولاد على التميز والتفوق في الجامعات هذا هو العمل الحقيقي ؛ إن دعم أساتذة الجامعات ودعم المعلمين
والمعلمات والعاملين والعاملات في مجالات التعليم وغيره لهو العمل الحقيقي الذي ندعو إليه .
إن حث العاطلين على العمل ومساعدتهم في تجاوز الصعاب والتحديات والحصول على الأعمال المناسبة لهم لهو العمل الحقيقي هو الحق الكريم الذي تدعو إليه الحياة بقولها للناس جميعاً : الحياة هي العمل والكدح والإنجاز ….والسعي في مسارب الدنيا مهما كانت الهموم والغموم ، ومهما كانت حجم البكاء ، ومهما كان الثمن من وزواج وطلاق وغنى وفقر وصحة ومرض وتدافع فطري بين جميع المخلوقات .
وقد قدم الغرب المتقدم والشرق كالصين واليابان بعد أن خاضوا التجارب والتجارب في هذا المجال النماذج الفريدة والمميزة والأفكار البشرية الإيجابية والتفاؤلية حريّ بنا ان نحاكي ونقلد ونبتكر بعد ذلك ما ينفع هؤلاء الشاب المبارك العظيم .
إن الإنسان منا الذي ينتظر الحظوظ أن تأتي إليه أو أن تمطر عليه السماء ذهباً وفضة ؛ هؤلاء حريٌ بنا أن نقوم بتسجيلهم في مراكز العيادات النفسية ليتم علاجهم من الوهم الكبير الذي ورثوه أو تسرب إليهم من الثقافات الغابرة .
الحياة العمل هذه هو العنوان الكبير على لوحات وشاشات وأروقة الحياة الدنيا وعلى العقول أصحاب الفطن وأولوا الألباب والنهي أن يعوا ويعملوا على ذلك ، وأن يصرخوا في أنفسهم وأولادهم ومن يعولوا أن الحياة الحقيقية هي العمل والعمل .
قال شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي رحمه الله تعالى:
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيِّدٌ فَطِنٌ
لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
لا وارِثٌ جَهِلَت يُمناهُ ما وَهَبَت
وَلا كَسوبٌ بِغَيرِ السَيفِ سَئالُ
لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ
الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.