قدوات شبابنا شخصيات منحلة تافهة

محمد الفريدي
من الواضح أن جيل التكنولوجيا اليوم يواجه أزمة حقيقية فيما يتعلق بالقدوات.
هذه الأزمة لم تظهر فجأة أو جاءت من فراغ، بل نتجت عن تراكمات متعددة، وتحولات سريعة أثرت بشكل كبير على نظرة الشباب للحياة، وعلى معايير اختيارهم للقدوات التي يرون أنها نماذج مثالية.
و من أبرز العوامل التي أسهمت في تفاقم هذه الأزمة هو التغير الكبير في معايير النجاح والشهرة، ففي الماضي، كانت القدوات شخصيات مهمة حققت إنجازات بارزة في مجالات مثل الدين والعلم والفن والسياسة والاقتصاد والثقافة والأدب، بعد أن بذلوا جهدا كبيرا، وتفانوا في تحقيق تلك الإنجازات التي وصلوا إليها.
أما اليوم، فقد أصبحت القدوات شخصيات هامشية تافهة تحظى بشهرة واسعة وسريعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن قيمة المحتوى الذي تقدمه. وغالبًا ما تستقطب ملايين المتابعين ليس لإنجازاتها الحقيقية، بل لمظهرها أو تصرفاتها المثيرة للجدل، أو لاستعراض أجسادها كدمى معروضة في سوق النخاسة، دون أن تقدم شيئًا ذا قيمة حقيقية تذكر.
هذا التغير في معايير القدوة أوجد فراغا كبيرا بين الشباب، فعندما يرى الشاب شخصيات مشهورة لم تحقق نجاحاتها من خلال جهد حقيقي، بل من إثارة غرائز المتابعين أو التركيز على مظهر معين، ينشأ لديه شعور بالإحباط، أو الرغبة في تقليد هذه الشخصيات لتحقيق نفس مستوى الشهرة، دون أن يهتم بالقيمة الحقيقية لما تقوم به.
أحد أبرز الجوانب السلبية لأزمة القدوات عندنا هو الانفصال الواضح بين الأجيال، فالأجيال السابقة كانت تقتدي بشخصيات نموذجية حقيقية أسهمت في بناء مجتمعنا، ونشرت القيم الأخلاقية والإنسانية في العالم، أما الجيل الحالي، فوجد نفسه محاطًا بشخصيات تافهة تروج للعري والجنس والخروج على القيم والعادات والمألوف، وتسعى وراء الشهرة بأي وسيلة وثمن، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ التي كان يؤمن بها الجيل الذي قبله.
لقد أسهمت بصراحة العولمة ووسائل الإعلام الحديثة بشكل كبير في تفاقم هذه الأزمة، وأصبح شبابنا يتعرضون لتيار مستمر جارف من المعلومات والصور والمقاطع المتحركة التي تروج لأنماط حياة تختلف تمامًا عن واقع حياة الأجيال السابقة، وبدلاً من أن يكون الإعلام أداة لتثقيفهم وتوجيههم نحو الاقتداء بالقدوات النموذجية الحقيقية، أصبح وسيلة لتضليلهم من خلال الترويج لنماذج سيئة تسهم في تشويه القيم والأخلاق وسمعة المجتمع والمملكة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى تأثير واضح للقدوات السيئة على الأسر والعلاقات الاجتماعية، فعندما يتخذ الشباب شخصيات تافهة أو مثيرة للجدل كقدوات، ينعكس ذلك سلبا على سلوكياتهم وتعاملاتهم مع الآخرين، ويتبنون تصرفات طائشة تؤدي إلى تآكل القيم الأسرية وتفكك المجتمع، وتزيد من النزعات الفردية، وتؤدي الى تراجع الروح الوطنية.
وتزداد الأزمة تعقيدا عند النظر إلى دور الأسرة اليوم، فكثير من الأسر في وقتنا الحالي تعاني من ضعف التواصل الفعّال بين أفرادها، مما يترك شبابها عرضة لتبني أفكار ومفاهيم ومعتقدات بعيدة عن قيمها الثقافية والدينية، والتأثر بالنماذج السيئة التي تُقدَّم لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أنها نماذج مثالية في ظل غياب التوجيه الصحيح.
إضافة إلى ذلك، يتجلى الفشل بشكل واضح في المؤسسات التعليمية، التي لم تنجح في تعزيز القيم الأخلاقية وغرس القدوات الحقيقية في نفوس الشباب. فالمؤسسات التعليمية، بما فيها المدارس والجامعات تركز بشكل رئيسي على الجوانب الأكاديمية والتدريسية، وتغفل الجوانب القيمية والأخلاقية مما أسهم في توسيع الفجوة بين ما يتعلمه الشباب في بيئاتهم التعليمية، وما يشاهدونه من قدوات سيئة في واقعهم اليومي.
ويجب أن نعرف أخيرا أن أزمة القدوات ليست مجرد مشكلة فردية فحسب، بل هي أزمة مجتمعية تتطلب تضافر الجهود لإيجاد حلول فعّالة، و إذا لم نتخذ خطوات سريعة لتصحيح هذا الوضع، فإننا نخاطر بتربية جيل كامل يتبنى قيمًا سطحية هلامية تافهة غير مفيدة و لا ملهمة، مما يؤثر سلبًا على مستقبل مجتمعنا ودولتنا بأسرها.
وتداعيات هذه الأزمة خطيرة جدا على المجتمع، وعلى الشباب الذين هم عماد المستقبل، فبتبنيهم لقدوات تفتقر إلى القيم والمبادئ الحقيقية سينعكس سلبًا على طريقة تفكيرهم وقراراتهم وطموحاتهم، مما سيؤثر بشكل كبير على مستقبلهم، وما سيكونون عليه في المستقبل.
صباح الخير أبا سلطان
لست معك في هذه القسوة والإفراط في جلد الذات فشبابنا قادرين بعون الله على تجاوز هذه التحديات ولنعترف بأنهم أكثر وعياً من أجيال سبقتهم وإن كانوا بحاجة لمن يأخذ بأيديهم للإقتداء بنماذج تميزت بالإنتاجية وحب الطموح وكما أنهم يتطلعون لمن يملأ الفراغ لديهم عن طريق الأسرة ومؤسسات المجتمع لك تحياتي.
صباح الخير أستاذنا الكبير أبو معتز.
أقدر رأيك وتفاؤلك في قدرة شبابنا على تجاوز التحديات.
لا شك أنهم يمتلكون طاقة أكبر من الأجيال السابقة، وهم بالفعل بحاجة إلى التوجيه والدعم ليقتدوا بالنماذج المتميزة ، و يشكل دور الأسرة ومؤسسات المجتمع عنصرا حاسما في توفير هذا التوجيه وإلهامهم لتحقيق طموحاتهم ، شكرا لملاحظاتك القيمة و لتحفيزك الإيجابي ، و تقبل تحياتي و احترامي.
أخوكم / أبو سلطان