كُتاب الرأي

طموحات بين الفراش والطلاق

محمد الفريدي

علمت من أحد الإخوة في إصلاح ذات البين أن زوجين حديثين جلسا في منزلهما يتناقشان حول دور المرأة وعملها في المجتمع الحديث.

كانت الزوجة ترى أن بإمكانها التوفيق بين عملها الذي كان يؤديه قديما الرجال، وواجباتها المنزلية دون المساس بأنوثتها، أما الزوج فكان يصر على أن قبولها بالعمل بين الرجال يفقدها صفات الأنوثة التقليدية، وينعكس سلباً على تربية أطفالهما والاهتمام به كزوج، والعناية ببيت الزوجية.
تطور النقاش بينهما إلى جدال حاد، وانتهى بعد ذلك بصمت ثقيل وغضب متبادل، وشعر كل منهما أن الآخر لا يفهمه، ولا يقدّر وجهة نظره، وأنه يقف حجر عثرة في طريق مستقبله، مما أدى إلى توتر في علاقتهما، استمر لعدة أيام ثم انتهى الأمر بعد ذلك بالطلاق.

في السنوات الأخيرة، ازداد الحديث عن مفهوم الأنوثة والرجولة، وأصبحت هذه النقاشات تتصدر المجالس الخاصة والثقافية، وفي ظل هذه التحولات، بدأ الناس يعيدون النظر في أدوار كل من الرجل والمرأة، مما أثار تساؤلات عميقة حول هوية الأنوثة وما تعنيه في عصرنا الحالي.

في الماضي، كانت الأنوثة مرتبطة بأدوار محددة ومعايير اجتماعية ثابتة، وكان يُنظر إلى المرأة على أنها رمز للحنان والنعومة واللطافة، و أدوارها محصورة في البيت، أو التدريس، أو تربية الأطفال.
وظل هذا النموذج التقليدي للأنوثة سائداً لفترات طويلة من الزمن، و اعتمد المجتمع بشكل غير مخطط له توزيع هذه الأدوار بين الجنسين بهذه الطريقة التقليدية، ولكن مع مرور الزمن وتطور المجتمع، بدأت هذه النظرة تتغير تدريجياً.

وشهدنا في السنوات الأخيرة تحولات جذرية في نظرة المجتمع للمرأة ، فلم تعد أنوثتها محصورة في أدوارها التقليدية، بل أصبحت شريكا فعالا في جميع مجالات الحياة، من العمل والتعليم إلى التجارة والقيادة والسياسة، وجاءت هذه التحولات نتيجة لتمكين المرأة وزيادة وعيها بحقوقها، مما أدى إلى تمكينها في المجتمع بقوة حتى أصبحت اليوم تسهم بشكل كبير في تشكيل مستقبل مجتمعها، وتؤثر بشكل فعّال في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية و الادارية .

ومع ذلك، لم يأتِ هذا التطور بدون ثمن، فهناك من يعتقد بأن هذه التغييرات أدت إلى فقدان المرأة لبعض صفاتها الأنثوية في سعيها لتحقيق نجاحها في مجالات كانت مخصصة للرجال ، فقد اتجهن بعضهن إلى تبني سلوكيات وأدوار تقليدية للرجل، وهذا التحول يمكن أن يُرى كنوع من التنازل عن صفاتها الأنثوية التقليدية مثل اللطف والحنان وتربية الأطفال والاهتمام بالزوج و بيت الزوجية.
وهذه المتغيرات تثير قلقا متزايدا حول تأثيرها على هوية المرأة السعودية ومكانتها في مجتمعها.

وهنا تبرز عدة تساؤلات كـ:
هل نحن فعلاً في خطر من فقدان تلك الصفات التي كانت تجعل الأنوثة في مجتمعنا مميزة وفريدة؟
وهل يمكن للمرأة أن تحقق التوازن بين القوة والاستقلالية من جهة، وبين الحنان واللطف من جهة أخرى دون التضحية بجوهر الأنوثة؟
وهل يحتاج مجتمعنا إلى إعادة تعريف مفهوم الأنوثة في ضوء هذه المتغيرات الحديثة؟
وهل يمكننا أن نخلق نموذجا جديدا للأنوثة يتناسب مع التقدم الاجتماعي الحالي، وفي الوقت نفسه يحافظ على الجوانب الجميلة والفريدة للمرأة؟

من الضروري أن ندرك أن تمكين المرأة لا يعني بالضرورة التخلي عن أنوثتها، بل إن التمكين فرصة لتعزيز الصفات الإيجابية التي تأتي مع الأنوثة، مثل العاطفة، والاهتمام بالآخرين، والقدرة على بناء علاقات مثمرة مع بنات جنسها، فالتمكين ينبغي أن يتماشى مع تحديات العصر التي تواجهها المرأة السعودية دون أن تفقد جوهرها الأنثوي.

والتحدي الحقيقي يكمن في تحقيق التوازن وبناء مجتمع راقٍ يقدر المرأة في جميع أدوارها، سواء كانت في البيت أو في العمل، ويعترف بقيمة صفاتها الأنثوية في تعزيز التفاهم والرقي والسلام المجتمعي، هذا التوازن يتطلب منا وعياً جماعياً بأهمية المحافظة على هوية المرأة واحترام أنوثتها كجزء أساسي من شخصيتها.

و أن ندرك أن الأنوثة ليست في خطر بقدر ما هي في مرحلة تحول، وهذا التحول يمكن أن يكون إيجابياً إذا تم بوعي وإدراك لأهمية الحفاظ على هوية المرأة وجوهرها الأنثوي ، والتحولات الاجتماعية والثقافية التي نشهدها اليوم لا تفقد المرأة ما يميزها، بل تعزز دورها وتمكنها من المشاركة الفعالة في جميع مناحي الحياة دون التضحية بجوهر أنوثتها.

وفي النهاية، الأنوثة والرجولة ليستا مجرد أدوار اجتماعية أو صفات مكتسبة، بل هما جزء أساسي من هويتنا الإنسانية التي يجب علينا احترامها وتقديرها.
ويبقى التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق التوازن الذي يحافظ على هوية الجنسين، ويعزز دورهما في بناء مجتمع سعودي متوازن، خالٍ من حالات الطلاق والمشاكل الاجتماعية، ولا يعالج الخلافات الزوجية بمفاهيم استبدادية مثل ( يا على الفراش يا طالق ).

كاتب رأى

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫6 تعليقات

    1. أستاذ حسن أشكرك من القلب على كلماتك الطيبة، كما إن تفاعلك مع المقال يشرفني ويؤكد لي أن ما كتبته يلامس جوهر القضايا التي تهم مجتمعنا وأسرنا.
      سلمت وسلمت رؤيتك الثاقبة.
      تحياتي واحترامي.
      أخوكم / أبو سلطان

  1. مقال جميل
    تستطيع المرأة ان تتمتع بدور قيادي وتخوض مجال العمل وهذا لايتنافى مع الأنوثة هي لا تعمل طوال الوقت
    جانب الأنوثة وجانب العمل ليسا ضديين ولا مجال للمقارنة
    لكل جانب وقت ولكل دور مكانه وزمنه وأليته
    تحياتي لقلمك الجميل وفكرك الراقي

    1. أستاذة نعيمة، أشكرك جزيل الشكر على كلماتك الجميلة، بالفعل، الأنوثة والعمل يمكن أن يتكاملا دون أن يتعارضا، فلكل منهما مساحته وزمانه، والمرأة السعودية اليوم قادرة على تحقيق التوازن بين دورها القيادي واحتفاظها بجوهر أنوثتها.
      تحياتي واحترامي لفكرك النير وقلمك الرائع.
      أخوكم / أبو سلطان

  2. كلام جميل وفي محله بالفعل تحتاج المراة لوقفه لتحديد كل مايناسبها وطموحاتها دون ان يحول ذلك في واجباتها ودورها الأساسي في اسرتها

    1. أستاذة الجوهرة، شكرا لك على كلماتك الرائعة، بالفعل تحتاج المرأة إلى وقفة لتحديد ما يناسبها ويحقق طموحاتها دون أن يؤثر ذلك على واجباتها ودورها الأساسي في أسرتها.
      التوازن بين الطموح والمسؤولية هو مفتاح النجاح.
      تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى