كُتاب الرأي

هلموا نبني مجتمعنا أو نهدمه بكلمة

محمد الفريدي

قررت منذ فترة بعيدة أن أبتعد عن المدح أو الذم فيما يتعلق بالأعمال الأدبية للآخرين، فمن تجربة طويلة مع القراءة والكتابة اكتشفت ان كل نص يحمل في طياته تجارب ورؤى مختلفة وجميلة، و كل كاتب له نكهته وطريقته الخاصة، وموضوعي اليوم يشبه من يضع يده في جحر الثعابين، فأنا مع ابتعادي عن المدح والذم ما زلت أؤمن بأن بيننا اليوم كتاب سيؤون، رغم مكانتهم العالية إلا إنني اعتبرهم كالقتلة المأجورين لأنهم يستطيعون تدمير مجتمع كامل بكلمة وحساباتهم البنكية تغص بالملايين .

الكتابة ليست مجرد صف للكلمات بجوار بعضها البعض، بل هي فن يتطلب إبداعا ودقةً خاصة، ومداومة، وكما يقال الكاتب مرآة مجتمعه، عليه ان يتحمل أيضا مسؤولية كل كلمة يكتبها، فعندما يكتب بقلمه لا يُعبر فقط عن أفكاره أمام الجميع، بل يُشكل أيضاً آراء وأفكار الآخرين.

وعندما نتحدث عن الكتاب السيئين، فإننا لا نقصد بالطبع أولئك الذين يجتهدون، ويخطئون ثم يصححون أخطاءهم، بل نعني الذين يستخدمون أقلامهم لنشر الكراهية والبغضاء، والتحريض على العنف، وبث الأكاذيب، والعنصرية، وقذف الآخرين أيا كانوا بما ليس فيهم.

هؤلاء الكتاب غالبا ما يؤججون الفتن والنزاعات، ويحثون على التمرد والخروج على الحكام، مما يخلق بيئة سلبية تؤثر بشكل خطير على المجتمع بأسره، وقد يطرح الكاتب السيئ أسئلة تبدو مشروعة للوهلة الأولى، ولكن تأثيرها مدمر جدا على المدى البعيد.

الكلمة في مجتمعنا ليست كالكلمة في الغرب، فهي عندنا سلاح ذو حدين، يمكن أن تُستخدم لبناء الجسور أو لهدمها، فعندما يكتب الكاتب بحكمة، فإنه يغير مسار التاريخ، أما إذا خرجت كلماته من قلم غير مسؤول فسوف يؤدي بالتأكد قلمه الى نتائج كارثية، ولذلك، يجب علينا أن نتحلى بالمسؤولية الأخلاقية في كل ما نكتب، وبدون ان يتدخل في كتاباتنا رئيس التحرير أو مقص الرقيب.

فالأجيال الجديدة ﻭ القادمة تتأثر بشكل كبير بالمحتوى الذي نستهلكه، والكتّاب جزء أساسي من هذا المحتوى، فإذا قدم الكاتب نماذج سلبية، يلتقط الشباب هذه النماذج، ويعدها النماذج التي يجب ان يُحتذى بها، وعلى النقيض، إذا قدم الكاتب نماذج إيجابية، فإن ذلك يُلهمهم أفكارا جديدة نابعة من ذواتهم تساعدهم على التغيير الإيجابي.

و هنا لا يمكننا إغفال دور القراء في تقييم الكتاب، فالقارئ الواعي قادر على التمييز بين الكتّاب الجيدين والسيئين، ولذلك، يجب عليهم السعي لتطوير حسهم النقدي الذي يمكّنهم من التفرقة بين المحتوى الجيد والمحتوى الضار، و هذا الوعي هو ما يمكن أن يُحدث فرقا في مجتمعنا، ومهمة المعلمين أن ينموا في تلاميذهم هذا الحس بطرق مبتكرة لم يسبقهم عليها الآخرون.

و على كل كاتب أن يدرك أنه يحمل على عاتقه مسؤولية اجتماعية، ورسالة عظيمة، والكلمات التي يكتبها تؤثر على مشاعر وأفكار الآخرين، ولذلك، ينبغي عليه أن يسعى إلى تقديم محتوى يثري العقول، ويحفز على النقاش البناء، بدلاً من نشر الكراهية والفتنة بين اطياف المجتمع، واللعب بأمنه واستقراره بالنار.

في النهاية، يجب أن نكون واعين لتأثير الكتابة على المجتمع. فالكاتب السيئ كالقاتل المأجور، يمكن أن يسبب أضرارًا جسيمة للمجتمع، ولذا، على الكتّاب أن يدركوا أهمية محتواهم، وأن يتحلوا بالمسؤولية في كل ما يكتبونه، فالكتابة ليست مهنة من لا مهنة له، بل هي رسالة عظيمة ينبغي أن تُقدّر وتُحترم.

إن مملكتنا بعد رحل الجيل الذهبي من كتابها العظام في المرحلة الماضية بحاجة إلى كتّاب جدد يسهمون في بناء مجتمعنا بالكلمة الراقية مثل من رحلوا، و يرسخون قيمنا الإنسانية الخالدة، ويشجعون على الحوار والنقاش بين أجيالنا المختلفة، و يكونوا قبل كل شيء جزء لا يتجزأ من هذا التغيير لضمان أن يكون تأثير كلماتهم في الاتجاه الصحيح.

كاتب رأى

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫8 تعليقات

    1. شكرا جزيلا ، أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير والفائدة، وأن يرزقنا الإبداع في خدمة المجتمع والوطن و الدين.
      أبو سلطان

  1. أحسنت الطرح أبا سلطان فنحن من نشيد بالكاتب الذي يبحث عن تعزيز إيجابيات مجتمعه ويحثهم على المقارنات التحليلية من خلال محتوى المقال وما مامدى الفرق بينه وبين مقالات أخرى قد لايجد فيها القاريء ما يَشُدُّ انتباهه ويبقى عنوان المقال دائما هو صورة مختصرة للمحتوى وهو ما يمثل شخصية الكاتب وهذا دليل قاطع على مسؤولية الكاتب إتجاه المجتمع.

    1. أستاذي الكبير علما وقدرا وعمرا، أبو معتز.
      شكرا جزيلا على كلماتكم الطيبة وعلى دعمكم الدائم، وسأعتبر ردك هذا توجيها مهما ودرسا.
      فعلاً، تسليط الضوء على إيجابيات المجتمع وتعزيز التفاعل التحليلي مع المحتوى يمثلان جزءا مهما من مسؤولية الكاتب، وأتمنى أن أستمر في تقديم محتوى يعكس هذه القيم.
      أخوكم
      أبو سلطان

      1. عذرا أبا سلطان أنت فوق التوجيه وإنما تبادل في الرؤى والأفكار وكلنا نستفيد من هذه الآراء لأننا نحمل مسؤولية الكلمة الصادقة وما تفضلتم بالتعبير عنه حول تعليقي ومداخلتي لمقالكم الذي ينبع من حرصكم على الإستفادة بقدر مساحة فضاء مقالكم إنما هو عبارة عن مرآءة صادقة لمدى تواضعكم لزميل لكم يشارككم الرأي فلك تحياتي وتقديري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى