كُتاب الرأي

الهاربات من البيوت

 

فطرت البشرية منذ الإنسان الأول على العمل الدؤوب في دروب الحياة الدنيا ، والضرب في الأرض على طولها وعرضها ، والمراغمة في طلب الأرزاق ، ولباس الكدح في اليوم والليلة هو اللباس الذي يناسب الإنسان.

ومع إطلالة طلائع الفجر والإنسان في سعيه يجتهد ويكافح في ميادين الحياة الواسعة والمختلفة؛ وهو يضرب ضربا عظيما في السهل والجبل والبر والبحر والجو طلباً للرزق وحسن المعيشة وتوفير الاحتياجات الضرورية والأساسية.

وما تكاد أشعة الشمس تغادر مغرب الأرض حتى يعود إلى بيته شأنه شأن بقية الكائنات والمخلوقات والعوالم الحية والتي تروح بطاناً بعد أن غدت خماساً ، وصارعت في سبيل رزقها حتى نالت ما قسم الله تعالى لها به .

والناس في بيوتهم تغلب عليهم السكينة والطمأنينة والهدوء والسلامة فهي الأمكنة المناسبة لهذه الاحتياجات الضرورية والأساسية للإنسان وللكائنات والمخلوقات والعوالم الحية، ففيها ينالون القسط الوافر من الراحة والطمأنينة والهدوء والسكينة، وتكون للجميع محطة الاسترخاء الكبرى والسكن والسكينة والراحة والسلامة.

وإذا كانت البشرية لها احتياج فطري إنساني عظيم إلى الهدوء والسكينة والراحة والسلامة والبعد كل البعد عن صخب الحياة الدنيا مهما كانت ! فإن البيوت الطيبة الجميلة الهادئة تلبى هذا الاحتياج وتوفره لهم ،

ومهما كانت الهموم والغموم والآلام والأحزان والمصائب والتحديات والصعوبات والعقبات فإن حقيقة البيوت الطيبة المطمئنة ووجودها يكون
بلسما لكل تلك الصراعات والصخب الكبير وعلاجاً ناجعاً لما تعانيه البشرية على اختلاف مشاربها، وتنوع همومها وغمومها .

هذا هو الأصل الأصيل والدور الكبير والجميل للبيوت ؛ فهي السكن الحقيقي والطمأنينة والهدوء والسكينة والراحة الحقيقية ، والتي إذا فقدها المرء هنا فلن يجدها في أي مكان كان ! وقد يفقد حتى إنسانيته كإنسان بسبب اضطراب دور البيت فكيف إذا فقد البيت نفسه وحياته ؟!

منطقة الراحة والطمأنينة والهدوء والسكينة والاستقرار الكبير هي البيوت الطيبة المطمئنة وليس غيرها ! مهما قال القائلون ! ومهما حاول بعضهم في تهميش وتصغير أدوار البيوت الطيبة المطمئنة!
ومهما تحدث المتحدثون الفارغون في نصرت الشوارع والطرقات على البيوت الطيبة المطمئنة!.

وقد يرى الرجل اللبيب الفطن من خلال حركة الناس الدائبة اليومية في الحياة الدنيا ببصيرته وبصره أحوال الناس في بيوتهم ؛ وما هم عليه في تلك البيوت من الهدوء والسكينة والراحة والسلامة ! أم الصخب والتعب والهم والغم والألم والحزن والنصب حتى فيما وراء الجدران الصامتة !

والحقيقة المعروفة أن الإنسان عنوان كتاب مفتوح للبيئة التي ينتمي إليها ! وللأسرة والعائلة الغالية الكريمة ! وللبيت الذي يخرج منه !

فالبيوت حقيقة تشرف على الإنسان ! وعلى تربيته وتعليميه وتقويمه وجميع تصرفاته وسلوكياته ؛ فالبيوت حقيقة الناس عناوينها ؛ وهم يمثلونها خير تمثيل في تصرفاتهم وسلوكياتهم الحياتية المختلفة.

بل ربما ذهبنا في ذلك الأمر بعيداً ! عندما نقول ونقرر أن الإنسان حقيقة مهما كان هو السفير فوق العادة لدولة بيته وأسرته !

عندما يتوجه الناس مع إطلالة طلائع يومهم إلى أعمالهم ومزارعهم ومصانعهم ومتاجرهم ومعارضهم وأسواقهم فهذه حقيقة هي الصورة الطبيعية الفطرية لبني آدم عليه السلام ، على اختلاف ألوانهم ومشاربهم وأعراقهم ولغاتهم وأديانهم وثقافتهم الصورة الحقيقية
الواقعية الحياتية الفعلية على مدار وجود الإنسان على ظهر الأرض!

لكنهم عند عودتهم إلى البيوت الطيبة والمساكن الفارهة المريحة ما يلبثوا بها إلا قليلا ! رغم طول بعدهم عنها ، وحاجتهم إلى الراحة النفسية والهدوء والسلامة والسكينة ، فإن أكثرهم وأغلبهم يعودون فيهرولون هاربين من تلك إلى البيوت الطيبة إلى الشواطئ تارة وإلى الحدائق تارة وإلى الأسواق ومتعة التسوق لديهم وإلى غير ذلك الأماكن القديمة التي يبحثون عنها فيهرعون إليها .

إن الخروج من البيوت في عطلة نهاية الأسبوع للترفيه والتسلية والتجديد والتغيير لهو الخير كل الخير لما له من الآثار الإيجابية على الأسرة الكريمة من الزوجة والأولاد وعلى رب الأسرة الكريمة كذلك .

 

لكن أن يكون الخروج من البيوت الطيبة بصورة يومية مجدولة ! والهدف من الخروج هو الخروج نفسه !! وإنفاق الوقت الغالي في الفراغ الخالي ! والإهمال عن عمد أدوار التربية والتنشئة الطبيعية المنزلية ، والقفز عنها إلى الكماليات والمرفهات مما يؤدي إلى قصور الأولاد في جوانب كثيرة من مجالات الحياة الطبيعية.

إن البيوت الطيبة المطمئنة تبقى منارات علم وهداية ورعاية وعناية وتربية وتنشئة على الأخلاق الكريمة الفاضلة والأدب الجميل ولها أدوار ومهام ومسؤوليات تدريبية وإكساب النشء المهارات الأساسية الحياتية في أهمية الوقت والعمر والزمن ، وفي أهمية النظافة والترتيب ، وفي أهمية إدارة بقية اليوم والليلة !

إن صناعة أجيال عظيمة وكبيرة يحتاج إلى تربية وتنشئة عظيمة وكبيرة ! ومن مصادر الصناعة البيوت الطيبة المطمئنة إذا كانت تملك الأدوات والوسائل والأساليب والصورة الطبيعية المشرقة الطيبة الجميلة عن الحياة القادمة !.

يمكن إجمال بعض فوائد بقاء النساء في البيوت :

أولاً : إظهار وإشهار حقيقة الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة في وجودها وقربها من بعضها ، متعاونة ومترابطة ومتظافرة .

ثانياً: الشخصية الزوجية والأسرية السعيدة التي تبدو في وجود النساء .

ثالثاً: الضبط والتحكم والسيطرة التي يراها الأولاد في وجود الأمهات.

رابعاً: نشر أجواء الطمأنينة والسلامة في أرجاء البيوت الطيبة.

خامساً: نشر الأجواء الصحية السليمة الحسنة في البيوت .

سادساً: إكساب الأولاد المهارات الأساسية والخبرات والتجارب العميقة في الحياة.

سابعاً: تزويد الأسرة الكريمة عامة والأولاد بالطاقة الإيجابية التفاؤلية الطيبة لمواجهة الحياة .

ثامناً: وجود الآباء والأمهات بصورة مستمرة مع الأولاد في البيوت الطيبة هو الأصل الأصيل والصورة الطبيعية للحياة الطبيعية الجميلة.

تاسعاً: الأتفاق بين الزوجين الكريمين على أن يكون البيت مصدر الأمن والأمان والاستقرار والهدوء والسكينة والراحة والسلامة والعزة والمنعة والقوة.

عاشراً: التذكير الدائم والمستمر بين الزوجين الكريمين بأهمية القيام بالواجبات والمهام والمسؤوليات المنوطة بهم .

المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى