كُتاب الرأي

الأجيال القادمة و صندوق الأفكار

بقلم/ محمد الفريدي
المثقفون السعوديون اليوم يُعتبرون من أبرز عناصر تشكيل هوية مجتمعنا، فهم يحملون على عاتقهم مسؤولية نشر الوعي، ومواجهة التحديات المحيطة بنا ، و يواجهون فوق ذلك عقبات كثيرة تقف في طريق انجاز مهمتهم .

لا أبالغ إن قلت أن بعض المثقفين يشبهون الرسل في نقل أفكارهم إلى مجتمعنا، و آخرون منهم يفتقرون للأسف إلى النوايا الطيبة، و يعملون إما علي التحريض أو دعم أفعالنا السيئة.

مثقفونا يشبهون أشجاراً تعاني في صحراء قاحلة وتفتقر إلى الموارد اللازمة لبقائها، و في كل مجتمع يعمه الجهل والتخلف يُحارب المثقفون لطرحهم أفكارهم، و تُخنق اصواتهم تحت وطأة الضغوط الاجتماعية والسياسية ، و لا يتم تقديرهم، و لا تقدير أفكارهم مما يؤدي بهم اما الى الشعور بالوحدة والغربة، او العزلة والانسحاب ، او المغادرة و الهجرة.

يعيش مجتمعنا الان حالة من الفوضى الفكرية، في ظل هذا الانبهار بالانفتاح الذي جعل المثقف السعودي مهمشًا، ويقف وحيدا في مواجهة واقع يسلب منه القدرة على المواصلة والتأثير ، و صوته مهما فعل، يقابل بالرفض من أصوات لا تدعو إلى التفكير والتحليل، و تفضل القيم المادية على القيم الإنسانية، و الاصوات النشاز و العقول الجوفاء الفارغة على العقول المفكرة والمبدعة.

فعلي المثقفين السعوديين ان يسعوا لايجاد حلول فعالة للتحديات التي تواجههم ، و ان يعملوا على بناء جسور التواصل مع مجتمعنا، وتأسيس منصات تتيح لهم التعبير عن آرائهم وأفكارهم، وتعزيز قيم الحوار الفكري، و استعادة الثقة بالنفس من اهم الخطوات في هذا الاتجاه.

في بعض الأحيان، يجد المثقفون انفسهم مضطرين للهجرة بحثًا عن بيئة تحتضن إبداعاتهم، و هذا الخيار خيارا مؤلمًا بلا شك، ولكنه قد يكون ضروريًا للعيش بحرية، العديد من الدول تدرك قيمة المفكرين و تستقطبهم من كل دول العالم، و تستثمر في قدراتهم، مما يسهم في تطوير مجتمعاتهم الا نحن لا نراهم إلا شياطين يجب ان تُرجم.

اليابان والصين مثلا باستثمارهما في العقول المبدعة استطاعتا أن تبني منظومة تعليمية ثقافية مختلفة تشجع على الابتكار وتقدّر الجهود الفكرية، و تقدر المثقفين فاصبحوا عنصرا حاسمًا في تحقيق الازدهار والتنمية، و ما وصلتا اليه من تقدم، مما جعل لهم دور في التطور السريع في كل المجالات من خلال العصف الذهني والفكري، وبهذا النهج الاستثماري الاستثنائي الفريد أسهم المثقفون الشباب في تعزيز الهوية الثقافية، و تعزيز القدرة التنافسية، وأصبحت هذه الدول نموذجًا يُحتذى به في الاستثمار المعرفي الذي هو أساس تقدم وإزدهار الأمم.

إن المثقفون السعوديين كنوز حقيقية لا تقدر بثمن لذا يجب أن نُقدرهم ونحتضنهم، و نتكاتف جميعا لدعمهم ، لأنهم يمتلكون القدرة على إحداث التغيير الإيجابي، و احتضان العقول المبدعة هو السبيل لبناء مستقبل أفضل لنا و لهم ولمجتمعهم، فقدروا أفكارهم وشجعوهم على الحوار والتفاعل بقدر المستطاع فهم ثروة غالية لن نعرف قيمتها الحقيقية إلا إذا افتقدناها او تبناها احد غيرنا.

تتطلب المرحلة الحالية من المثقفين السعوديين الانفتاح على الحوار ، وتبادل الأفكار مع مختلف شرائح المجتمع، وتشجيع النقاش بين المفكرين والقراء، وتبادل وجهات النظر، وتعزيز الفهم المتبادل ، فمثل هذا التفاعل ضروري جداً لكسر الحواجز التي تعيق التواصل البناء، ويسهم في بناء مجتمع أكثر تلاحماً وتقدماً وإثراءً وتنوعاً للحلول في جميع القضايا المشتركة.

وكذلك تساهم المؤسسات الإعلامية والتعليمية بشكل كبير في تعزيز الفكر من خلال تطوير مناهج تعليمية، و ابتكار برامج إعلامية تشجع على التفكير والإبداع، فعندما يشعر طلابنا مثلاً بتقديرهم و تقدير أفكارهم، ينشأ جيل قادر على مواجهة التحديات، ويساهم في تحسين جودة حياة مجتمعنا.

و يتمثل الاستثمار في العقول المبدعة في جوانب متعددة تتجاوز حدود التعليم، حيث يتعين علينا دعم الافكار والأبحاث الثقافية الفكرية الجديدة، و هنا من الضروري أن تقوم شركاتنا بتخصيص جزء من ميزانياتها لدعم مشاريع الشباب الفكرية، انطلاقًا من مسؤوليتها الاجتماعية، و بناء مجتمع سعودي مزدهر يتطلب الاستثمار في طاقاته البشرية، خاصةً في عقول المبدعين والمفكرين منهم.
و هنا، يأتي دور المؤسسات في القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال تبني المشاريع الإبداعية والفكرية لفئة الشباب من الجنسين.

ولترجمة هذه الفكرة إلى واقع ملموس، نقترح إنشاء صندوق وطني يسمى”تنافس”، تحت إشراف حكومي كامل، يكون داعمًا للمواهب الشابة، ومنصة معتمدة لإطلاق أفكارهم، و يهدف إلى الاستثمار في قدرات أبنائنا وبناتنا ، وتعزيز بيئة محفزة للتنافس والإبداع فيما بينهم، و نشر انتاجهم الفكري، و جزء من ريعه يعود اليهم .
و يقدم الصندوق منحًا دراسية لمشاريعهم الفكرية الواعدة التي تستحق التوسع والدراسة، وينظم لهم ورش عمل في العصف الفكري و الذهني، و دورات تدريبية عليهما، و يطور مهاراتهم، و يعزز روح ابتكار الأفكار الجديدة بينهم.

فالشباب المثقف السعودي من كلا الجنسين يواجه اليوم تحديات معقدة تتطلب توجيه طاقاتهم نحو قضايا محلية وعالمية، و تشجيعهم على ابتكار حلول فكرية لكل قضية، فهم يمثلون قادة المستقبل، و يمكن ان نستفيد من خبراتهم ومعارفهم في صياغة السياسات الحالية والمستقبلية في كل مجال، وهم صمام الأمان لأي مجتمع ، و تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في توجيه أفكار الأجيال الحالية و المقبلة، و من المهم تكريمهم، ودعمهم من خلال هذا الصندوق المقترح، فشبابنا يمتلكون القدرة على إحداث التأثير الإيجابي، و احتضان عقولهم هو استثمار حقيقي في مستقبلنا، وإسهام مباشر في تحقيق التنمية والازدهار لدولتنا، و تقدير افكارهم وإعادة بناء الثقة في ادوارهم كمثقفين امر مهم، لأن مستقبلنا يعتمد عليهم، ونحن ككبار سن أمانة في أيديهم، فلذا، يجب أن نعمل على توفير بيئة ثقافية ملائمة تنمي قدراتهم الفكرية، وتتيح لهم التعبير عن أفكارهم بحرية ليسهموا في بناء مجتمع أكثر تقدما و حيوية.

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫8 تعليقات

  1. مقال رائع ، ومقترحات صائبة، وعقل نير، وطرح موضوعي يواكب حاجة المجتمع ،ويدعم تطلعات الشباب ،وينافس الدول ،ويعتبر مطلب عصري في الوقت الحاضر ..
    قلم مميز دائما ً أ محمد ..
    بارك الله فيك وفي جهودك

  2. الاستثمار في العقول المبدعة من متطلبات العصر ودولتنا اعزها الله لاتألو جهداً في إحتضان الموهوبين أينما وجدوا .. وما تجنيس بعض العقول المبدعة قبل فترة زمنية قريبة إلا أكبر دليل على ذلك ..
    أوافقك الرأي فيما طرحتة وأشرت اليه بمقالك الثرئ جداً الذي صغته بإحترافية كاتب مبدع ولبق ..
    دائما ماتتحفنا بكل جديد دلالة على ثراء معلوماتك الادبية ..
    شكراً من القلب لما يخطه قلمك المبدع دائماً.
    تقبل خالص احترامي وتقديري .

  3. في مقاله بعنوان: (الأجيال القادمة وصندوق الأفكار) يقدم لنا الزميل الأستاذ محمد على الفريدي رئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض أسلوب جديد في الكتابة وهو الأسلوب المتعارف عليه والأكثر تداولاً لدى كتاب الرأي والمحبب لدى النَّقاد والشريحة الأكثر من القراء والأقرب إلى المفهوم العام من قبل النخب الثقافية ومعظم شرائح المجتمع.
    وهو في ذات الوقت يكشف لنا أن لديه عدد من الأساليب في فن كتابة المقال الصحفي وهي مهارة قد لا تتوفر لدى الكثير من الكتاب وأعني هنا كتاب مقالات الرأي العام في زمن الصحف الورقية الذي لازال مستمراً وهو السائد مع تمت الإشارة لذلك لدى جيل المخضرمين من الكُتَّاب وقد يختلف نمط وأسلوب الكتابة في الصحافة الورقية أو أنه الأسلوب المفضل لدى أجيال الشباب وقد يكون هو المحبب في قادم الأيام لايسعني إلاَّ أن أهنيء الزميل أبا سلطان في محتوى مقالة الذي يتطلب الكثير من التَّاني في معاني دلالاته اللغوية وما تهدف إليه مفردات المقال مع أطيب التمنيات بدوام التوفيق ليقدم لنا نموذج جديد من أهم مكتسبات رؤساء تحرير الصحافة الإلكترونية في توجيه قطاع الشباب لمزيد من الأستفادة من هذه المقالات.

    1. أستاذي الفاضل الدكتور محمد الجحدلي حفظه الله

      شكرا جزيلاً على كلماتكم المشجعة، وتحليلكم العميق لمقالي “الأجيال القادمة وصندوق الأفكار” ، ويسعدني أن تجد أسلوبي الكتابي متناسبا مع تطلعات القراء والنقاد، وأعتبر هذا دليل على أهمية الحوار الثقافي الذي نسعى جميعًا لتعزيزه.
      إن تنوع الأساليب في الكتابة هو ما يجعل كل مقال فريدا ومختلفا عن الاخر، وأتمنى أن اقدم شيئًا يسهم في تشكيل وعي الشباب، ويحفزهم على التفكير والابتكار والإبداع، فانا مازلت أؤمن بأن الصحافة الإلكترونية تمثل مستقبل الكتابة، وأطمح دائما إلى تقديم محتوى يثري عقول القراء.
      أشكركم مرة أخرى على دعمكم وتوجيهاتكم القيمة، وأتطلع دائماً لتقديم المزيد من المقالات التي تلبي تطلعاتكم وتلامس اهتمام القراء.
      وتقبل فائق تحياتي الحارة أستاذي الكريم.
      اخوكم / ابو سلطان

  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    صبحكم الله تعالى بالخيرات والبركات
    والمسرات والفل والكاذي والياسمين
    كيف حالكم جميعا حبيبنا الغالي أبا سلطان؟
    بارك الله فيكم ولكم وعليكم
    أولاً: أهنئكم على هذا المقال الشجاع المتين الجميل الهادف.
    ثانياً: الذهب النفيس لا يستغرب من أهله وأرضه ومعدنه.
    ثالثاً: الشعور بالحياة والعاطفية الجياشة في ثنايا المقال سمة من سمات كتاباتك في مقالاتك المختلفة وهي تمثل قول الناس :
    ( الحيّ يحييك … ).
    رابعاً: ( الأجيال القادمة وصندوق الأفكار ) أراه وثيقة عمل نوعية ترفع لوزارة الثقافة أو الجهات ذات العلاقة بالشباب والثقافة لتدرس هذه الأفكار وتخرج كبرنامج أو برامج
    عملي تطبيقي تنفع الشباب السعودي الطموح .
    خامساً : محاور رؤية المملكة العربية السعودية 2030
    مجتمع حيوي
    اقتصاد مزدهر
    وطن طموح

    نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينفع بهذه الجهود الطيبة الجميلة الوطن والمواطن.
    آمين آمين آمين يارب العالمين…
    وإلى الأمام دائما وابدا…
    أيها الكاتب الفريد الفريدي المبدع .

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      أخي الفاضل الدكتور سالم بن رزيق حفظه الله .
      شكرا من أعماق قلبي على دعمكم المستمر ، و تعليقاتكم التي تعكس فهمًا عميقًا لما أحاول تقديمه، و حافزا لي على الاستمرار في الكتابة.

      أوافقك الرأي تماماً على أهمية “صندوق الأفكار” كوثيقة عمل تدعم الشباب السعودي، وأتمنى أن يرى الصندوق النور قريبا، ورؤية المملكة 2030 تمثل لنا جميعًا فرصة عظيمة لتطوير مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، وأنا فخور بأن أكون جزءًا من هذا التوجه.
      نسأل الله أن يوفقنا جميعًا في جهودنا، وأن ينفع بها وطننا الحبيب ودمت بخير وعافية.
      اخوكم / محمد الفريدي

  5. نعم صحيح أ. محمد👍
    الشباب المثقف السعودي من كلا الجنسين يواجه اليوم تحديات معقدة تتطلب توجيه طاقاتهم نحو قضايا محلية وعالمية، و تشجيعهم على ابتكار حلول فكرية لكل قضية،👍
    لافض فوك ، وشكرا جزيلا لاختيارك لهذا الموضوع الرائع والمهم في آن واحد .
    👏👏👏👏👏👏.

    1. الأستاذة الفاضلة ابتسام
      شكرًا لرسالتك الجميلة، أتفق معك تمامًا، فالشباب المثقف السعودي من كلا الجنسين ، يمتلك طاقات كبيرة يجب توجيهها نحو التحديات المعقدة التي نواجهها، و تشجيعهم على الابتكار، وإيجاد حلول فكرية من افكارهم يسهم بشكل كبير لا شك في تطوير مجتمعنا.

      شكرا مرة أخرى على اهتمامك بهذا الموضوع، وأتطلع الى مزيد من مداخلاتك المثمرة.
      تحياتي.
      اخوكم / أبو سلطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى