كُتاب الرأي

هل كلنا مكتئبون؟!

 

بقلم/ د. شادي الكفارنة
يتعرض الإنسان لكل أشكال الإصابات بالأمراض في حالات السلم والاستقرار ؛ ولكن في حالات الأزمات والطوارئ يزداد تعرضه للأمراض، وهذا ما يحصل في الحرب على غزة من تزايد إصابتنا بالاكتئاب الذي يدل على اضطراب مزاجي يؤثر على طريقة تفكيرنا وشعورنا وتصرفاتنا ، وتعرضنا إلى فقدان الرغبة في ممارسة الفعاليات اليومية التي تعودنا عليها منذُ بداية نزوحنا من أماكن تواجدنا إلى مستقر خيماتنا ، فعندما نسير مشيًا على الأقدام في زحمة النازحين نشعر بالضنك حتى أصبح الألم جزءًا من حياتنا اليومية، نعيش معه على مدار يومنا في محاولة تأمين احتياجتنا من مأكل ومشرب ومسكن ؛ مما أدى إلى تجويعنا وإحباطنا وتشتيت أفكارنا وتغليف عقولنا، وأصابتنا حساسيات مفرطة بسبب سكننا في الخيمة المرقعة بالهموم المشكلّة ، والظروف المقيتة التي جعلت الاكتئاب ينخر أوصالنا.
كلنا مكتئبون؛ إذ إن بيئة الحرب أحد أسباب الاكتئاب والعامل الذي يسبب ظهوره في أوضاع يصعب مواجهة الحياة والتعايش معها مثل: فقدان شخص عزيز، ومشكلات اجتماعيّة واقتصادية والتوتّر الحاد وكلها مكتملة وعليها زيادات كثيرة بسبب العصبية التي أصابتنا في كل مكان ، والخوف الشديد لما نشاهده من إبادة جماعية وقتل عشوائي أودى بنا إلى اضطراب نومنا، وظهور أحلامنا مليئة بالكوابيس في حال نومنا تشعرنا بالأرق ، كذلك بسبب سماع صوت الانفجارات القريبة والبعيدة، وحالة الضباب والتيه من سماع أخبار الحرب المحبطة التي تعدم الأمل ، حتى صارت الكآبة تجري في كل مكان ندخله ، فلقد وزع الحرب همومنا ووسع أحزاننا وشدد ألمنا ونشر مآسينا وشتت وجودنا، ومن شدة مآسينا فإنها أحزنت الاكتئاب نفسه ، فضعنا معه وضاع معنا وأصبح ممزوجًا معنا لا يمكن فصله عنا ، وصعَب علينا وضع معايير اكتشاف الأمراض النفسية، ومقاييس تشخيص الحالات المرضيّة ، فتكدست مصائبنا حيرتنا وحيرت الاكتئاب معنا ، فمن الذي يحتاج إلى معالجة؟!
إننا محبطون يائسون من مصائب الحرب القاتلة؛ ولكن ما أصابنا من اكتئاب يعود إلى حسب درجة استجابتا للمرض ومدى تحدينا للإصابة وقوة صلابة نفسيتنا؛ كما يرجع إلى تحمل الإنسان الظروف التي تجعل منه مكتئبًا أو غير مكتئب وقادر على التحمل ؛ لذا في أوقات الحرب العصيبة وجب علينا أن نشد من أزر بعضنا، ونقوي صلابة نفسياتنا أمام الاكتئاب المقلق لنا جميعًا؛ لنكون في استقرارٍ نفسيّ وضمان اجتماعيّ يسكننا الأمل والطمأنينة.

كاتب صحفي و باحث فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى