ضاعت فلسطين بين الثورجية و السكرجية

للأسف، ينظر بعض العرب الثائرين على القيم إلى بعضهم نظرة استعلاء واستحقار، ويعتبرونهم كائنات لا قيمة لها، هذا التوجه الثورجي البغيض ليس مستترًا كما نظن، بل يعلن من البعض في بعض الأحيان دون خجل او حرج، ويتفاخرون بقبيلتهم التي تُعد على حد قولهم بالملايين، وينظرون إلي الآخرين نظرة استحقار لأنهم قلة، او نكره، او توافه، يمكن الاستغناء عنهم، أو التضحية بهم لمصلحتهم في أي لحظة دون أن تذرف من أعينهم دمعة عليهم، ففي أعرافهم، كل من لا سند له، ولا ظهر، و لا قبيلة، هو (لاش ابن لاش) لا وزن له ولا قيمة، و (اللاش تبكيه أمه).
وقد لخص لنا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين رحمه الله هذا التمايز بين الإنسان في الغرب، والإنسان في الوطن العربي بقوله :
(في الغرب لا يوجد شيء مقدس سوى الإنسان، وعندنا كل شيء مقدس عدا الإنسان!).
ولترقيع وتجميل هذه العقلية المتخلفة العفنة، وتعزيز مكانتها في المجتمع، وهي لا تستحق هذا التقدير، وهذه المكانة، يقوم مبدعون من بني جلدتها (بخشم الريال) بمدحها، واحتقار الأفراد، او القلة القليلة، أو الأكثرية التي لا تروق لها لأي سبب كان، او بينها ما بينها في الماضي، بالقصائد والشيلات التي تمجّدها، وتمجد قبليتها، وتحط من قدر الأفراد، او القبائل الأقل منها عددا وقوة، وإن لم يصرحوا بذلك، لمحوا تلميحا خوف من المسالة والمحاكمة،
هذه الظاهرة النرجسية لم تقتصر على عوام العرب، بل امتدت إلى بعض حكام البلدان العربية، مثل جمال عبدالناصر، و الحبيب بو رقيبة، و صدام حسين، و عفاش، و معمر القذافي الذين استلهموا من عبد الناصر النهج الناصري في كل شيء، حتى في الأغاني والتطبيل والهياط، فخلال حكم القذافي، أنتجت له آلاف الأغاني، وبثت على تلفزيونات الدول المحكومة بالدكتاتوريات كسوريا والعراق، و اليمن، و تونس، ودخلت في خضم الصراع العربي-الإسرائيلي من أوسع أبوابه، وأصبحت جزءًا من الخطاب العربي الغَوْغَائِيّ الذي يلوم الشعوب العربية المغلوبة على أمرها عدم التحرك لتحرير القدس، والأقصى، و فلسطين، وهو و الثورجية من تسببوا بضياعها.
أما الشاعر العراقي (السكرجي) مظفر النواب الذي لا يعرف إلا استخدام اللغة والمفردات القذرة في قصائده، وتوجيه اللوم إلى العرب على خذلانهم للقدس، ويعبر عن استيائه بعبارات شديدة البذاءة في قصيدته (القدس عروس عروبتكم):
القدس عروس عروبتكم؟!
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها.
وسحبتم كل خناجركم،
وتنافختم شرفا.،
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض. فما أشرفكم.
أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟
أولاد القحبة. لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم.
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم.
تتحرك دكة غسل الموتى.
أما أنتم، لا تهتز لكم قصبة.
لقد اخترع الثورجية المصريين، خلال حقبة عبد الناصر شعار (كل شيء للمعركة)، وتبعهم الثورجية البعثيون في العراق و سوريا بشعار (لا شيء يعلو فوق صوت المعركة)، وأما الشاعر الثورجي الفلسطيني المقيم في دمشق صالح هواري فقد لخّص لنا هذه العقلية الثورية التي أضاعت فلسطين وضيعتنا في قصيدة يقول فيها:
(كل شيء للوطن،
كل شيء للقضية،
ليس للروح ثمناً،
فهي للأرض الأبية) .
تخيلوا بالله عليكم، ملايين الثوار، والبشر ، والمواطنين المغلوب على أمرهم، كانوا يموتون في سبيل أقلية باسم تحرير فلسطين ، بينما هذه القلة القليلة وأبنائهم ، و على رأسهم ياسر عرفات ، وزوجته الحاجة سهى عرفات، وابنته زهرة، في نفس الوقت يتاجرون بأرواح هؤلاء الثورجية المساكين من أبناء امتنا و بالقضية.
هذه النظرة الثورية الفوقيّة التي تحتقر كل البشر ، وتقدس الأقلية، وتضحي بالاكثرية، هي العائق الأكبر أمام تقدمنا في العالم العربي، والتغيير الاجتماعي الإيجابي الحقيقي يحتاج منا إلى إعادة تقييم البشر ككيان مستقل عليهم واجبات، ولهم حقوق، ولهم كرامة اولا، و لا يجوز التضحية بهم لمصلحة أقلية أو أكثرية ابدا، فمن خلال هذا التغيير فقط، يستطيع العالم العربي أن يخطو خطواته الأولى نحو مستقبل أكثر إشراقًا وإنسانية.
محمد الفريدي
لم يتسبب في النكبات للأمة العربية سوى الثورجية والسكرجية الذين اشرت اليهم في مقالك المفعم بالأدلة .
شكراً لك كاتبنا العزيز ورئيس تحرير صحيفتنا المبجل .
شكرًا لتعليقك على المقال، من المهم دائمًا أن نتحلى بالموضوعية عند مناقشة قضايا الأمة العربية، النقد البناء والمبني على الأدلة هو ما يسهم في تقدم مجتمعاتنا، نسعى دائمًا لتقديم محتوى يخدم القراء و يوعيهم بالقضايا الهامة، شكرًا مجددًا أستاذي الكريم أبو رائد على تفاعلك وإطرائك.
وتقبل تحياتي