عد طفلا

من الطبيعي أن يكون لكل شخص في هذه الحياة هوايات، فهناك من يمارسها بشكل يومي، وهناك من لا يجد وقتا كافيا لممارستها، فيكتفي بممارستها في أوقات فراغه القليلة.
ولقد اثرت الحديث عن إحدى هذه الهوايات، فانتقيت منها من هي الأقدر والأعمق في الحديث، إنها القراءة، تلك التي كانت في وقت من الأوقات هي الهواية الأولى لدى الكثيرين، فالقراءة تثري الفكر وتغذي العقل؛ شريطة أن نحسن اختيار الكتب التي تستحق القراءة، ولا شك أن الكتب متنوعة؛ لتلائم ذوق كل فرد من هواة القراءة ، ولكني اثرت الحديث عن كتاب من نوع اخر ليس بالورقي ذو الصفحات الكثيرة أو القليلة، ولا بالإلكتروني المسحوبة صفحاته واحدة تلو الأخرى والذي بدأ أن يحل محل الكتب الورقية التي تربينا عليها وعشنا بين طيات صفحاتها، إنه كتاب الحياة البشرية، فكل انسان عبارة عن كتاب صفحاته ممتلئة بمختلف الموضوعات.
والحقيقة أن حياة كلن منا عبارة عن كتاب، كل صفحة من صفحاته ترى بها العجب العجاب، فبتصفح حيات شخص ما ترى فيها جوانب مختلفة فالصفحة الأولى، والتي اثرت الحديث عنها، من كتاب أي شخص، هي قصة قصيرة مشوقة لطفل صغير، فمنذ الوهلة الأولى لقراءة هذه الصفحة، تجد نفسك أمام بطل حقيقي، فرغم صغر الطفل وقلة حيلته مقارنه بالكبار، إلا أن الطفل يستحق وصفه بالبطولة أكثر من أي شخص يافع؛ وذلك لأن الطفل يمتلك خصلة لا يتفرد بها سوى الابطال، وهذه الخصلة هي الإصرار، فلو قمت بمتابعة يوم واحد من حياة طفل سوي في عمر 3 سنوات أو اكبر قليلا، لرأيت نفسك أمام نموذج حقيقي لبطل حقيقي، والسبب أن تلك المرحلة العمرية يكون فيها الطفل بدء باكتشاف الحياة ومن ثم تبرز محاولات الطفل في الوصول للنجاح، والتي تعرف لدينا بالإصرار، فتلك الصفة هي من تخرج الابطال، وهي أيضا التي بنت الحضارة الإسلامية التي انارت العالم في وقت اظلمت فيه أوربا عقولاً وحضارة.
وبالنظر إلى واقعنا الحالي كأمة عربية ذات تاريخ وحضارة ولغة واحدة، لأدركنا أننا بحاجه ماسه لإصرار الابطال وخاصة إصرار الطفل العنيد، ذلك الذي يهفو لتعلم كل جديد ويهب للدفاع إذا تعرض لعدو بغيض، ذلك الذي يفكر كل يوم في معرفة الجديد، ذلك الذي لا يركن لو تعرض لآلم عتيد، لكن لابد أن نسلم بأن ذلك الطفل المنشود لم ولن يأتي إلا بأبوين جليلين يعرفا قبل كل شيء كيف تكون تربية الابطال، فما اشد حاجتنا اليوم لأبطال يعرفوا معنى الإصرار، لينقذوا أمة جار عليها عدو مكار، كان متربصا لها منذ وقت الجمل وحياة الترحال، واليوم بات يستعبدها في زمن التقدم والتطور والانبهار.
فمتى رأيت شخصا يافعا، نافعا، محاربا للأيام، متحملاً جل الآلام، مواصلا حياته دون إلمام، فتيقن أنه لازال يحيا بقلب طفل يواجه الحياة بكل إلمام.
د. أميرة محمد على