الفوضى

بقلم/ د. شادي الكفارنة.
استخدمنا كلمة فوضى التي تعني اختلاط واختلال النظام وسمعناها كثيرًا، وكان موضعها إذا كان هناك ضجيج متعدد متنوع عالٍ أو بعض من ممتلكاتنا غير مرتبة أو منظمة نعطيها تقييمًا بأنها الفوضى وغالبًا ما تكون فردية؛ ولكن أن يعيش شعبًا في غزة بأكمله فوضى حرب فريدة من نوعها، وأولى في تجربتها، ومتنوعة بمجالاتها و متشكلّة بأزماتها ومتشابكة بصعوباتها ومعقدة بمشكلاتها ومتداخلة بظروفها وضعيفة بترابطها ومتساهلة بانضباطها؛ نكون بذلك وصلنا لظاهرة الفوضى الشعبية لمجتمع كامل دون استثناء بكل مكوناته في محافظاته.
إننا في فوضى الحالة النفسية التي بدأت مع الحرب بازدواجية إصابتنا بالاضطرابات ما بين الاكتئاب وما بين التوتر وما بين الوسواس القهريّ فوق قهرنا، وما بين القلق وهواجس الخوف من الموت.
أصابتنا فوضى الموت الغادر في كل الأماكن من قصف يطير ومن بحر يسيل ومن سهل أرض يميل من عدو ٍخائن.
كذلك فوضى الازدحام والسير في شوارع ضيقة لجموع من الناس الحاشدة لا تعرف من فيهم ما بين قادم أو آتٍ من كل حدبٍ وصوب من جميع الاتجاهات، والناس في حالة تيه في نزوحهم ما بين الشمال والجنوب، وصدمتهم في التوجه ما بين الشرق أو الغرب، وسكرتهم ما بين السماء والأرض في أن يكونوا أحياءً أو أمواتًا.
نعيش فوضى الفقر التي تسوق الناس بعقولهم الموجهة على توفير السلع الغذائية المتوفرة بأسعارها الغالية هذا في حال إن توفرت هذه السلع ، كذلك فوضى الإشاعات التي نسمعها ولا تُعد ولا تُحصى، أو لا نعلم مصدرها أو إنها عمل مدروس و مخطط له أو إنها مجرد اجتهادات شخصية وتحليلات غير واقعية من الناس لعدم تواصلهم مع بعضهم، جعلهم يبنون فرضيات وهمية غير موجودة، وهواجس خيالية.
نعيش فوضى في تجميع أفكارنا، وظلمة عقولنا، وفي علاقاتنا الاجتماعية وانقطاعاتنا الأسرية، وفوضى الصراعات بين الناس، والنزاعات بين ضمائرهم، والخلافات بين مواقفهم والمشكلات في أماكن تواجدهم؛ليفرضوا القوة بإدعائهم أخذ حقوقهم، التي تراجع فيها دور سلطات إنفاذ القانون في ضبط جبهتنا الداخلية ، لنعيش كذلك فوضى النظام في كل حياتنا من نظافة معيشتنا وتأمين مساكننا وحماية أسرنا وغذاء لأبنائنا وماء شرب لأفواهنا ومأوى لأولادنا وملبس لأجسادنا وترتيب أشكالنا.
أخيرًا…
من عاش فوضى الحرب عليه أن يتعلم تنظيم أدواره وترتيب اهتمامته وتنشيط أفكاره وتحديد أولوياته.
باحث و كاتب فلسطيني