القناعات

ينمو الإنسان ويكبر وتنمو وتكبر معه كل الأدوات التي تمكنه من الفهم والتطبيق والتحليل والتفسير والحكم على الأشياء من حيث الحسن أو القبح ، والطيب أو الخبث ، والنافع أو الضار ، والإيجابي أو السلبي ، والذي يصلح ويطيب له أو الذي يفسده ويفسد عليه حياته .
العقل أو القلب كلاهما يتوسعان بالتجربة والخبرة والأحداث والمواقف والتحديات والصعوبات والعقبات كل هذه الأحداث وغيرها تسعى شاءا العقل والقلب أم رفضا أن تجعل المساحات والسعات لهما في أقصى مكان وأعظم منزلة ، لذا مهما تقوقع العقل والقلب أتت التجارب العملية والأحداث اليومية والوقائع فصبغتهما بصباغتها وملأتهما بالخيرات والمسرات والبركات والفضائل .
يعقد العقل والقلب على بعض ما ألقي فيهما من المعلومات والمعارف وبعض التجارب الحياتية و الحقائق الظنية صبغة الثبات واليقين ؛ ويمضي في هذا السبيل على أن هذه المعلومات والمعارف هي الحق والحقيقة التي لا يمكن أن تتغير أو أن يتراجع عنها أو يظن ولو مرة أنها قد تزول وتذهب وتتغير مع الأيام والليالي.
أحياناً لا يفرق العقل والقلب بين ما هو حقيقي وحقه الثبات والدوام وعدم الزوال وبين ما حقه التغيير والتطوير والتحسين والتعديل والنمو ؛ بين ما هو ثابت ودائم ! وما هو متغير متحول! وقابل للتطور ورأي والرأي الآخر ، وقد يجري عليه الزمان وربما يجري عليه تغير المكان !.
إن كثيراً من المعلومات والمعارف والقناعات خاضعة لقوانين الزمان والمكان ، وقد يكون من الأفضل أن تراجع تلك التي نراها من المسلمات في عالم الحياة المادية ، ونحاول فهم الواقع الحقيقي وما ظهرت من الأدوات والوسائل الجديدة والتي تعين على المراجعة والتدقيق وإعادة إثبات بعض ما ظن الناس أنها حقائق مطلقة !.
وكما للوسائل والأدوات حق التغيير والتطوير للأفضل والأحسن؛ فإن لكثير مما نشاهده ونسمعه ونحسه الحق في التغيير والتطوير للأفضل والأحسن .
منذ بزوغ شمس الإنسان على ظهر الأرض ومنذ أن بدأ يخطو خطواته الأولى وهو ينمو ويتطور ويغير في المعلومات والمعارف ويحصل على المهارات الأساسية والمتقدمة لحياته الجميلة على ظهر الأرض.
إن التصورات والأفكار البشرية الإيجابية أو السلبية والتي تؤثر في السلوك والعمل الصالح وإعمار الأرض دعماً وتحفيزاً للفعل أو للترك كلها تحتاج إلى تقويم وتقييم مستمر ، خصوصاً والحديث عن المفاهيم والمعلومات والمفردات الأرضية والأدوات والوسائل الجديدة المتطورة.
أحياناً كثيرة يحتاج الأمر إلى دفع أثمان باهضة من العمر والزمن حتى نغير من قناعات بسيطة ومتواضعة إلى أخرى .
لذا كانت للصورة النهائية التي يحصل عليها الإنسان أكبر الأثر في قبول التغيير أو الرفض !
ومن أهم مصادر صناعة القناعات :
أولاً : الأبوان الكريمان:
جميع الآباء والأمهات يساعدون في تغذية وتربية وتهذيب وصياغة النشء على المعلومات والمعارف والقيم والمبادئ التي تربوا عليها والتي صنعة لهم حياتهم وتعايشوا معها وأصبحت لهم كالعدسات والعيون التي لا يرون العالم إلا منها .
ثانياً: الأديان :
المنظومة القيمية والأخلاقية والعبادية والتعاملات الحسنة التي تدعو إليها الأديان سواء كانت من مصادر وحي وتعليمات السماء أو من وحي عقول وأفكار سكان الأرض ، فإن لها الأثر الكبير في تشكيل وتكوين ما في تلك العقول والقلوب من الخير والشر والحب والبغض والسعادة والشقاء.
ثالثاً: المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي للأسرة :
المستوى الإجتماعي والثقافي لهما الأثر الأكبر في صناعة وصياغة كثير من قناعات ومفاهيم الأولاد في تلك الأسر الكريمة والعوائل المحترمة
ويعد تغيير تلك القناعات والثقافات من الصعوبة بمكان .
رابعاً: المؤسسات التعليمية:
تساعد المؤسسات التعليمية والتربوية في تشكيل وتكوين القناعات في عقول ونفوس الأجيال والنشء، كما تساعد في صناعة الأحلام والتصورات والتطلعات المستقبلية.
خامساً: الأصدقاء والأصحاب :
وجود الأصدقاء والأصحاب والأقارب في الحياة اليومية ضرورة واحتياج أساسي لما لهم من الأدوار الإيجابية في صياغة الشخصية واكتساب الخبرات والتجارب.
سادساً: قنوات التواصل الإجتماعي والإعلام :
في العصر الحديث تنفرد قنوات التواصل الإجتماعي والإعلام بالنصيب الأكبر في صناعة وصياغة القناعات والمفاهيم الحياتية المختلفة والمتباينة، وتعمل على تكوين الشخصية للأفراد.
سابعاً: طرق التفكير وأساليبه للفرد :
لكل إنسان في طبيعته وفطرته طرق وأساليب ينظر بها إلى الأشياء وهي زوايا الرؤية المختلفة والمتباينة التي يرى فيها الأشياء ويتفاعل معها وقد يحسها ، والناس عامة يتباينون ويختلفون في طرق وزوايا الرؤية ودرجات تلك الزوايا حتى للأمر الواحد والحدث الواحد ، فكيف إذا تسارعت الأحداث والوقائع والآلام والأحزان والأفراح والأتراح.
أنواع القناعات :
يمكن من خلال الإستقراء والإستقصاء الطويل تصنيف قناعات الناس إلى الحياة والإنسان والكون والدنيا وما فيها إلى ثلاثة أنواع من القناعات :
أولاً: القناعات المتعادلة أو العادية :
ويقصد بها تلك الأفكار والمعاني والرؤى التي يحملها الإنسان تجاه أشياء في الحياة والإنسان والكون والدنيا وتكون بصورة عادية طبيعية فطرية إنسانية سليمة ليست إيجابية صحية ولا سلبية .
وقد يعبر عنها تارة بقولهم : نحن حقيقة لسنا مع أو ضد
أي عدم الإنحياز لأي طرف أو رأي .
ويتصف سكان الأرض قاطبة في هذا العصر بهذه الصفات والسمات والكمالات البشرية السليمة والجميلة ؛ فالكثير لا يبالي بما يقوله الناس ، ولا يبالي بأفكار ومعتقدات الناس ، ولا يكترث
بهم ولا بإهتماماتهم وميولاتهم وأفكارهم واتجاهاتهم .
ثانياً: القناعات الإيجابية والتفاؤلية:
ويقصد بها تلك الأفكار والمعاني والرؤى التي يرى العالم والناس والحياة والإنسان والكون من خلالها ، فهي العدسات والنظارات التي يرى بها العالم الحي الذي حوله .
ثالثاً: القناعات السلبية السوداوية :
ويقصد بها تلك الأفكار والرؤى التي يرى العالم من خلالها ، وهي السلبية السوداوية والتشاؤم والحزن والهموم والغموم والآلام والأحزان والمصائب والتحديات والصعوبات والعقبات والنكد .
كيفية تغيير القناعات :
هناك حالتان تساعدان بشكل كبير في تغيير القناعات:
الحالة الأولى : تغيير القناعات بالحوار والإقناع :
وهذه الحالة لها أثر كبير في تغيير القناعات والثقافات وتؤصل للقناعات والثقافات الجديدة بطريقة متدرجة ومرحلية لكنها تحتاج إلى الوقت الطويل والطويل والنفس الواسع والأفق الكبير وعدم العجلة في الوصول إلى النتائج المطلوبة.
ويحتاج الوالدان الكريمان والمعلمون والمربون هذه الطريقة حتى يصنعوا الأجيال والنشء القادم الغالي النفيس الصبور .
الحالة الثانية : تغيير القناعات بالصدمة أو التغيير السريع للبيئة:
أحيانا يحتاج المربون إلى اختصار الوقت والجهد في التربية والتعليم فيقومون بوضع المستهدف في البيئة المطلوب منه أن يتغير فيها ،
والمطلوب منها ان تقوم على تغييره وتحويله ؛ وهذا ما تقوم به بعض المؤسسات والشركات عندما تنقل الموظف إلى البيئات العمل الحقيقية و التي يكون كالموظف الحقيقي ويمارس عليه التديب على اتقان مهارات كالحاسب الآلي أو لغة اجنبية أو اكتساب مهارات عملية تطبيقية تخصصية فإنها تغير تلك المعلومات والمعارف والقناعات بالصدمة في واقع ومحيط جديد ليس أمام الأفراد والمستهدفين إلا التفاعل والمشاركة والتكيف والقبول والتغيير .
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.