كُتاب الرأي

التوافق الزواجي ( المفهوم والأهمية والصور )

 

الزواج سنة طبيعية فطرية ، غرسها الله تعالى في الإنسان، وجعل فيه من الاحتياجات الضرورية والنقائص الطبيعية؛ يسعى عبر الزواج أن يكمل تلك النقائص التي فيه، ويشبع أكثر الاحتياجات خطورة لدى بني البشر في رحلتهم الطويلة في عوالم الدنيا.

ومهما حاولت البشرية في القفز أو التجاهل لأصوات الفطرة فإنها تعود إلى سماع تلك النداءات، وهي خاضعة ومرغمة، وقد تذهب في السير في هذا الطريق، وهي فرحة مسرورة تقودها نداءات الفطرة والطبيعة البشرية السليمة.

إن التكاثر في الكائنات والمخلوقات والعوالم الحية صفة أصلية طبيعية من صفات الكائن ولا يشذ أو يغالب هذه الغريزة أي مغالب مهما كان أو مهما قال وادّعى أو مهما راوغ في سير حياته، وأنه ليس من أولئك الخلق الذين تغلبهم نوازعهم نحو الجنس الآخر، وتدعوهم الحياة نحو الممارسات الجنسية والعاطفية، فهم كما يقولون ليسوا كذلك ؛ وذهب بعضهم إلى الجحود والنكران لدواع وأوهام غريبة.

وهؤلاء الذين يرفضون فكرة الزواج من الأساس مهما كانت مبرراتهم وأعذارهم وأوهامهم وأحلامهم، هم حقيقية يخالفون فطرتهم وطبيعتهم، وربما يضحكون على أنفسهم أمام الناس فقط، لكنهم في دواخل دواخلهم تتحرك بهم غرائزهم نحو تحقيقها بالخفاء والسر ودون إشهارها لأحد ما .

تبقى عقود الزواج عقوداً مقدسة طاهرة محترمة ومصانة في جميع الأديان السماوية ومع اختلاف الملل والنحل، ومهما تنوع الناس في أعراقهم وألوانهم وتعاقبت بهم الأزمنة والأحقاب والأمكنة تبقى لتلك العقود القداسة والطهارة، ويسعد الناس جميعاً بها، وهي على الحقيقة سفينة نجاة من عرام الشهوات وطوفان الشبهات وهبوط الأخلاق وانتشار الرذائل.

ويطلق مسمى الزواج على رجل وامرأة توافقا واصطلحا ورضيا عن بعضهما بعضاً، واقتنع الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل بأنهما يصلحان لبعضهما، وأنه هو الرجل الكفء المناسب لها، وهي المرأة الكفء المناسبة له، وأن هذا الرجل هو الذي سوف أقضي حياتي معه محبة وطاعة له، وأن هذه هي المرأة الطيبة الجميلة التي سوف أكمل معها مشوار حياتي ورفيقة دربي ورحلتي.
في أوامر الشريعة الإسلامية.

ومن نوافل القول أن يكون الطرفان قد اطلعا على حقيقة الزواج وواجبات كل طرف وأدواره وحقوقه ومهامه ومسؤولياته، وهو يعلن تلك المعرفة ويجعلها حقيقة حيّة مطبقة في واقع العشرة الزوجية والأسرية فيما بعد ، ويرى الطرفان أن السير في الحياة الزوجية والأسرية سوف يكون على خطين متوازيين من الواجبات الزوجية الكاملة والحقوق الزوجية الكاملة كذلك.

إن المعرفة الأولية بالزواج وأهميته وواجباته وحقوقه والأدوار والمسؤوليات المنوطة بكل طرف من الأطراف يساهم في رسم الصورة الحقيقية نسبياً عند الزوجين؛ لما سوف تكون عليه حياتهم بعد الزواج، وما يترتب عليه من الالتزامات والمسؤوليات والمهام وأداء الواجبات والقيام بها خير قيام، وقبول ما سوف يتوقع حدوثه، والحرص على تحصين البيت السعيد من عوادي الليل والنهار.

مفهوم التوافق الزواجي:
هو قبول الزوجين الكريمين لبعضهما والتكيف على حياتهما الزوجية والأسرية والقيام بالواجبات المطلوبة وأداء الحقوق كاملة رغم التحديات والصعوبات والعقبات التي تواجههما في سبيل بقاء الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة هادئة ساكنة مطمئنة.

أهمية التوافق الزواجي:

يعد التوافق الزواجي العمود العريض من أعمدة البيت والأسرة والركن الركين في البناء الأسري والحياة الزوجية والأسرية السعيدة؛ ومن ذلك أنه :

1- فاتحة الحياة الزوجية والأسرية السعيدة.

2- في ظلاله الجميل ينعم الزوجان والأسرة الكريمة بالدفء الحنان.

3- هو السياج الفولاذي الكبير الذي يحمي الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة من التصدع والتفكك والصراع الزواجي.

4- القوة الحقيقية في مواجهة كآفة التحديات والصعوبات والعقبات.

5- السر الحقيقي وراء نجاح وسعادة واستمرار العلاقات الزوجية.

6- ثمرة من ثمرات والتفاهم والتسامح والحب والمحبة بين الزوجين.
7- في التمسك به والإلتزام به مرضاة لله تعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

مجالات التوافق الزواجي:
هناك عدة مجالات في الحياة الزوجية والأسرية يظهر فيها ظاهرة التوافق الزواجي، وقد يظهر فيها ظاهرة الصراع الزواجي:

أولاً: المجال العاطفي:
المشاعر والأحاسيس والعواطف بين الزوجين الكريمين والسعي إلى إشباعها من أدبيات الحياة الزوجية والأسرية السعيدة، هذا هو أمر فطري على الأزواج والزوجات جميعاً أن يتشاركوا في الإشباع للمجال العاطفي، يسعى الأزواج إلى الإشباع العاطفي من الزوجات، وكذلك الزوجات يسعين إلى الإشباع من الرجال.
ومن الأهمية بمكان أن يحصل بين الزوجين الكريمين التفاعل والمشاركة والتكيف والقبول والمحبة في هذا المجال الهام والعظيم ، وقد رأينا عبر الاستشارات الإرشادية الأسرية الاجتماعية أن نجاح الزوجين الكريمين في التوافق الزواجي في الفراش وغرفة النوم هو التوافق الزواجي العظيم، وهو أخطر وأعظم تفاعل وتكاتف وتعاون وتفاعل بين الزوجين.

ثانياً: المجال المالي والاقتصادي:
تلعب الأوضاع المالية والمعيشية والاقتصادية دوراً بارزاً وفاعلاً وعظيماً بين الزوجين الكريمين في حالة الاستقرار والأمن والأمان والطمأنينة، وكلما كانت الأحوال الاقتصادية مستقرة وتغطي كافة الاحتياجات الضرورية فإن لها الأثر الكبير في التوافق الزواجي، وكلما ضعف المجال الاقتصادي بين الزوجين الكريمين ظهرت التحديات والصعوبات، وكثرت الصراعات بين الزوجين.

ثالثاً: المجال العلمي والثقافي:
مع مرور الأيام والليالي على زواج الزوجين وهبوط الشغف العاطفي بينهما، وربما ضعف في الناحية المالية والمعيشية والنفقة على الأسرة.

تظهر المقارنة بين الزوجين الكريمين في مستواهما العلمي والثقافي ويزداد ذلك الصراع قوة كلما تحدثوا فيما بينهما، ويضعف جانب الاحترام والتقدير ويقل الاهتمام، ويبرز هذا الصراع بقوة، ويتصدع التوافق الزواجي مع الزمن إلا إذا تدخل من أحد الطرفين من يصلح ويعيد ترميم العلاقة الزوجية والأسرية.

رابعاً: المجال الاجتماعي:

تظهر كذلك مع امتداد العمر الزواجي وهبوط العلاقات الزوجية والأسرية بين الأزواج والزوجات، والحديث عن المستوى الاجتماعي لكل طرف من الأطراف، ويساهم الطرف الذي يرى نفسه الأقوى بالتغلب على الطرف الآخر، وربما بالتطاول عليه، وحينها يتصدع التوافق الزواجي تحت ضربات الفوارق الاجتماعية.

خامساً: المجال العقلي الفكري :
قد يظهر في بدايات الحياة الزوجية والأسرية بعض التوافق في الاهتمامات والمعلومات والمعارف والقناعات والأفكار الإيجابية والتفاؤلية أو السلبية وهذا في حد ذاته مهم جدا ليحصل الأزواج والزوجات على مساحات كبيرة للإلتقاء والتواصل والتوافق.

إن طرق التعاطي والتفاعل مع أحداث وموضوعات ووقائع الحياة اليومية تختلف من شخص إلى آخر فكيف بالأزواج والزوجات؛ لكن إذا ظهر ووجد تقارب في زوايا الرؤية الفكرية العقلية فهذا شيء عظيم يقارب بين الأزواج والزوجات.

المراحل التي يمر بها التوافق الزواجي:

أولاً: الإعجاب والاندهاش:
وهذا يحصل للزوجين في المراحل الأولى من الزواج ربما في الأسابيع الأولى أو السنة الأولى أو أول خمس سنوات من الزواج عند بعضهم.

ثانياً: الاكتشاف والتنقيب:
وفي هذه المرحلة يبدأ الزوجان في البحث عن شخصية الآخر، وماذا وراء هذا الزوج ؟ وماذا وراء هذه الزوجة؟ وما نقاط القوة الحقيقية؟ وما نقاط الضعف ؟ وما نمط شخصية الزوج أو الزوجة؟
ويبدأ كل طرف يجرب ويختبر الطرف الآخر بعدد من الاختبارات؛ أكثرها عملية تطبيقية لاكتشاف الحقيقة، ومن وراء هذه الشخصية من خير أو شر ؟ وقد يكون خروج الزوجين الكريمين مع بعضهما نوع اختبار كل طرف للآخر! وقد يكون زيارة الأهل لبيت الزوجية هو أيضاً اختبار! كذلك تعمد الزوجة بعض الطلبات بعينها وخصوصاً الغالية منها! وكذلك طلبات الزوج للزوجة من المعاشرة والنظافة وتجويد الطعام وغيرها كل ذلك للاكتشاف والتحقق.

ثالثاً: التقويم:
بناء على جميع معطيات المرحلة الثانية وأخذ جميع المعلومات والمعارف والمواقف الحياتية المختلفة والمتباينة يتم التقويم للزوج أو للزوجة، ويكون ذلك بالقبول التام أو الرفض التام، وتبقى عملية الاكتشاف والتقويم مستمرة على طول الحياة الزوجية والأسرية، وقد تتغير الأحكام بين فترة وأخرى سلباً أو إيجاباً.

رابعاً: التكيف :

يمكن للأزواج والزوجات الوصول إلى هذه المرحلة بعد المرور على جميع المراحل السابقة، وهي عملية التكيف والتعايش مع الاختلافات بين الزوجين الكريمين، وهذه المرحلة من أهم مراحل التوافق الزواجي.

خامساً: القبول والتعايش:
أن يقبل الزوج الزوجة، وأن تقبل الزوجة الزوج وأن تتعايش معه رغم ما فيهما وما بينهما من الاختلافات المتباينة؛ وهذه هي الرحمة أن يرحم الزوج الزوجة وأن ترحم الزوجة الزوج، وأن يغلب الخلق الحسن والدين القويم الهوى والشهوة. وأن يرفرف على سفينة الحياة الزوجية والأسرية أعلام التغافل والتسامح والتراحم والتغافل والتكامل والتنازل بين الزوجين الكريمين.

التوافق أم الصراع :

الحياة الزوجية والأسرية رحلة كفاح ورحلة كدح وتعب في سبيل الله تعالى، فهي في حقيقتها لمن أراد المعرفة الحقيقية لها أنها طريق شاق يحمل الزوجين الكريمين المخلصين لله تعالى إلى الله تعالى.
ولكي تحقق هذه الرحلة الممتعة والمباركة أهدافها وغاياتها عليها أن تتجنب الخوض في الصراعات والنزاعات الزوجية والأسرية، فإذا ظهرت الأنا والأنانية والتفاضل بين الزوجين الكريمين وغلب عليهما العنف اللفظي والبدني فقد رحل التوافق الزواجي، وحل محله الصراع الزواجي الذي يمر بعدة مراحل، تنتهي إلى الطلاق الفعلي الحقيقي.

على الزوجين الكريمين التفكير الإيجابي مليّاً فيما تظهر بينهما من خلافات وصراعات، والسعي والمسارعة إلى حلها أو وضع الحلول لها دون تركها تنمو وتكبر على حساب التوافق الزواجي والتآلف والتصافي والتراحم والتغافل والتكامل والتعاون والتقارب بين الزوجين الكريمين.

لا يسمح الزوجان الكريمان للشيطان والأهواء والسوافي أن تعبث بهدوء وراحة سفينة الحياة الزوجية السعيدة والجميلة مهما كلفهما الأمر، ومهما كانت التضحية في سبيل دفء وهدوء وسعادة الحياة الزوجية السعيدة.

نسبية التوافق الزواجي :

هناك أصول وقواعد وواجبات وحقوق تبنى عليها الحياة الزوجية والأسرية السعيدة؛ وعلى الزوجين الكريمين القيام بتلك الواجبات الزوجية الكاملة، ولا يعطى حق وما لم يؤد واجب؛ هكذا يقولون في الحياة العملية.

فالتوافق الزواجي حالة نفسية نسبية بين الأزواج والزوجات، فعلى كل من الزوجين الكريمين توفير مجالات التوافق الزواجي المناسب لهم، والنسبة التي تحقق لهم السعادة والتفاؤل والأمل والحبور والسرور والتفاهم والتسامح والحب والمحبة والرضا والقبول، وما يجعل عجلة الحياة الزوجية والأسرية تسير في تحقق أدوارها وأهدافها.
وهي منسجمة فرحة مسرورة، وتستمتع بكل جزء من الحياة الزوجية السعيدة.وتدفع المجتمع الحيوي إلى الأمام والتقدم .

المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى