كُتاب الرأي

جيل وجيل

 

إن التعاقب والتتابع هو سمة أصيلة في الحياة البشرية، فأطفال اليوم هم كبار الغد، وكبار اليوم كانوا أطفال الأمس، فلا أحد عاقل يمكنه إنكار وجوب الاستمرارية كمبدأ رئيسي في الحياة، وتسليم الأجيال لبعضها البعض جيل من بعد جيل، إلا أن هناك فجوة أصبحت اليوم أكثر اتساعاً وأشد عمقا، وفي رأيي أنها مختلقة، عرفت بـ اسم “نحن من جيل وأنتم من جيل”.

فكثيرا ما نجد بعض الأبناء على خلاف مع والديهم، راجعين سبب الخلاف لاختلاف الأجيال، ويكأن الأبوين من كوكب آخر لا وجود له اليوم.

وفي الحقيقة لابد من التسليم بأن التطور موجود، والمواكبة باتت ضرورية لكل فرد منا صغير كان أم كبير، لكن هناك عدة أسئلة تطرح نفسها وبقوة، ولسنا بصدد عرض كل الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع، ومحاولة البحث عن أجوبة مقنعة لها، فكتب علم النفس مكتظة ووافية بالأسئلة والاجوبة الخاصة بذلك الموضوع ولكن سنكتفي بعرض سؤلان منهما فقط؛ لأنه في ظني انهما الأجدر بالنقاش والأحق بالبحث عن أجوبة لهما.

فالسؤال الأول هو:هل المشكلة تكمن في الفارق العمري الذي يكون بين الآباء وأبنائهم بصفة خاصة؟ أو بين الكبار والصغار بصفة عامة؟
بينما السؤال الآخر تمثل في: هل سبب الخلاف هو طريقة التفكير؟ وما الطريقة الأنسب لسد الفجوات المختلقة بين الكبار والصغار؟
وفيما يتعلق بإجابة السؤال الأول فالفوارق العمرية وبدرجة كبيرة لا تعتبر سببا رئيسا في هذه المشكلة فقد نجد شخصا كبيرا من الناحية العمرية لكنه على تفاهم قوي مع شخص أصغر منه عمرا والعكس صحيح، فقد نجد شخص صغير في العمر لكن حباه الله عقلً يحاكي كل الفئات والأعمار، وذلك لم يتم إلا بمراعاة متطلبات كل فترة حياتيه، بما يتلاءم وتقاليد وعادات كل مجتمع، فما كان غير مقبول بالأمس أصبح أمرا طبيعيا الآن.

فالعاقل هو الذي يجبر العصر على التعايش معه دون أن يفرض عليه العصر احكامه؛ وذلك بتحديث وتطوير آرائه باستمرار مع الحفاظ على اصالتها ومواكبتها لتعاليم الأديان والأخلاق.

وفيما يختص بإجابة السؤال الثاني فالشق الأول منه جاءت إجابته بنعم، فاختلاف المعتقدات الفكرية والعقلية، والاختلاف الشديد في طريقة التفكير من شخص لآخر هي السبب الرئيسي فيما عرف بأزمة الأجيال، وليس معنى كلامي هذا، أنه من الواجب علينا أن نكون جميعاً على طريقة تفكير واحدة، فبالعكس تنوع التفكير يعني مزيد من الإبداع، فما قصدته هو ضرورة التقارب في التفكير، خاصةً في الموضوعات المتشابهة بنسب كبيرة، والتي غالباً ما تكون موضوعات علمية بحته.

بينما هذا لا يتناسب مع الأفراد فكل فرد ميزه الله عن غيره، وحباه عقلاً فريداً من نوعه، لذا فالتقارب هو رجاء وليس ضرورة الزامية.
بينما جاءت إجابة الشق الثاني من السؤال الثاني، بأنه لا توجد طريقة واحدة مناسبة لسد الفجوات بين الأفراد، فهذا يقتنع بالكلام وذاك يقتنع بالفعل.
فتحية وتقدير لكل جيل، متى قرر المصير، وتحمل مشاق السير على الدرب الطويل محارباً كل مستحيل ومعتزاً بأصله غير ذليل.

د. أميرة محمد

m.amira150m@gmail.com

 

د. أميرة محمد علي

اكاديمية _ وكاتبة صحيفية _ واديبة مصرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى