الأخبار

وحدتنا لا بالترند ولا خيال المآتة!

وحدتنا لا بالترند ولا خيال المآته!
د.هشام محفوظ

هناك أوقات يجد فيها الكاتب قلمه يتجاوز فيها استخدام سبائك العبارات الأدبية الرنانة ، أو المفردات الطنانة كتلك اللحظة التي تمر بها أمتنا العربية الحبيبة .
فأنا أود في هذه الإطلالة أن أتحدث في أجواء أصداء الإعلان الصادر عن القمة العربية الثالثة والثلاثين التي عقدت في الثامن من شهر ذي القعدة من عام ١٤٤٥ هـ الموافق للسادس عشر من شهر مايو عام ٢٠٢٤ م بدولة البحرين الشقيقة بحضور القادة والرؤساء والزعماء العرب و أجواء تنسمنا نسائم موسم الحج هذا الملتقى العربي الإسلامي الإنساني .

أستثمر تلك الفرصة لنحاول جميعاً القيام بوقفة متأنية معمقة تجاه شأن لم يخلُ منه بيت عربي ، وما من خاطرة إلا وقد انشغلت به .
هذا الشئ أو هذا الموضوع نناقشه الآن ونحن مقبلون على أيام الحج؛ هذا الملتقى السنوي العالمي الذي يتم على أرض عربية غالية على قلوبنا -جميعا – هي المملكة العربية السعودية .
هو أمر أود أن نأخذه – نحن المثقفين والكتاب في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي – بعين الاعتبار ، في الوقت الذي نقرأ هذا الإعلان الصادر عن هذه القمة العربية ، الهادف – دون شك- إلى مصلحة الموا طن والوطن العربي كله .
هي كلمة من فيض دفق العروبة في شرايين كل منا، وأنا على يقين تام من أن من دلائل قوة أمتنا العربية أن كل من يعاديها يرجع يطلب ودها ، ويرجع باستمالة يراضيها . ومن صفحات التاريخ ما فيه أدلة وبراهين يسهل الاستشهاد بها في هذا السياق ، لكنه ليس موضوعنا الآن .
إن ثمة سؤالاً يلوح في آفاق الموضوعيين العقلانيين من حكماء العالم: يقيناً ، أمتنا العربية الحبيبة أمة سلام ؛ فلماذا من الأساس هذه المُعاداة لقطر منها أو لمجموعة من أقطارها؟ قد نسمع من يقول :إن دولة كذا ظالمة، و هي جزء من نظرية المؤامرة . الحديث – للأسف – يتكرر عن دول عربية كثيرة وليس دولة واحدة !
يا إلهي! نظرية مؤامرة ؟!
أيها السادة: حتى ولو افترضنا وجود مثل ذلك ؛ فلابد من وجود حكماء عرب ومفكرين وساسة يجمعون الأفكار البناءة ، ويزيلون مثل هذا الغبار من تلك العبارات التي تمزق الوعي الجمعي العربي . نجلس ونراقب ونتتبع كثيراً كل هذه المساحات السوداء من الأفكار لدى أبناء الأقطار العربية التي قد تضغط على صانعي القرار، في بعض الأوقات ؛ فيتخذون القرارات الخاطئة التي ستجعلنا حتما في يوم من الأيام نعض أصابعنا ندماً وتحسراً وأسفاً على أننا جعلناها تنتشر وتستشري . أنا من مصر أتساءل ، وأقسم بالله أن سؤالي هذا هو سؤال المُحب لكل قطر عربي شقيق، الغيور على عروبته وتماسكها :
أين القوى الناعمة ، والقوى الحاسمة ، والقوى المترابطة، والقوى الرشيدة المتمثلة في الجهات والوزارات المعنية بالعقل والرأي والحكمة والثقافة والسيكلوجيات في أقطارنا العربية ؟ أين كل هذا ؟أين جامعة الدول العربية من مثل تلك الأصوات التي لا تجيد التمييز بين الحوار النقدي المتحضر و النقض الهدام المثخن بالارتياب وعدم امتلاك وفرة المعلومات؟ تلاقي الشعوب العربية مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى . انظروا الأمر ، ماذا أنتم فاعلون؟!
أجل، لا ينبغي اتهام أية قوى عربية كبرى رشيدة في المنطقة ، قد استمدت قوتها العسكرية، هي أو غيرها ، بالعرق والجهد وتجارب السنين ، من سحر ومن بطن الصحراء ، ومن سطحها ، ومن لهيب رمالها بحرارتها التي لا تُحتمل ، وببرودتها الشرسة ؛ ومن فطنة أهل الصحراء – البدو – أهل الصبر والمروءة ، والكرم والشجاعة ، والعادات والتقاليد الماثلة في الجينات . أليس منهم الصحابة والعلماء و فحول الشعراء والبلغاء ؟!
أنا مع الكاتب العزيز الباحث الإماراتي الأستاذ عادل عبدالله حميد في تساؤله :كيف نتهم بذلك أولئك” الذين بفطنتهم مع خبرتهم استطاعوا أن يصلوا الماضي بالحاضر بالمستقبل حتى وصلوا إلى المريخ في سنوات لا تتعدى ال ٥٣ عاماً – منذ التأسيس في الثاني من ديسمبر ١٩٧١م – وهو دليل واضح وضوح الشمس ودليل واضح وضوح القمر بأن ما تم ويتم إنجازه ليس وليد اللحظة ، وليس بالشيء البسيط الزائل ؛ بل هو مستدام بتوفيق من الله سبحانه وتعالى قبل كل شئ ، وبذكاء وفراسة ودراسة وتجارب صقلتها العقول المستنيرة والرؤية المستبصرة والقيادات الاستثنائية ” .
نعم ، ليس سهلاً إطلاق مثل هذه الاتهامات التي ترتكز على مثل هذا الغبار الأسود اليوتيوبي والتويتري الذي يُغيب عن أصحابه معرفة كيف يُصنع القرار ؟ أو كيف يوظف العون عند الاستعانة ؟ أو كيف تُستجلب الهمة وقت الهمم والأزمات والتحديات ؟ وكيف تجهز العُدة والعتاد، و أهل الجاهزية من المواطنين الأخيار ذوي الانتماء العربي الحيوي والدموي والترابي والتنفسي والوجداني لكل قطر عربي يستحق كل ما تحمله الكلمات من معاني الوفاء والانتماء والعطاء والإخلاص والصدق والأمانة . ما أحوجنا إلى الترندات التي تشكل عواصف ذهنية حميدة ، تجيد حوار الداخل العربي العربي ، وحوار قوى هذا العالم المتغير بتحدياته وصراعاته وتشظيه وفق المصالح !
“ترندات ” تنجب الإبداع ، وتعمق العلاقات العربية العربية ، والعلاقات العربيةالدولية ، توسع من فرص التعاون والشراكات في مختلف المجالات ، واستقرار جميع الأطياف في كل قطر عربي شقيق ، بذكاء احتواء المواقف والاختلافات وبالعلم والحوار نمنع التقلبات الفكرية التي تضر وحدتنا وتماسكنا العربي ، بتوظيف ذكاء مجتمعنا ، وفهم أنجح طرق توظيف المتاح من معرفة أبعاد قوانا الناعمة ، وقوى غيرنا.
ليكن أحد ترنداتنا للآخر:
لماذا ومن الأساس إبداء هذه العدواة من الغرب للشرق؟ ولماذا الكيل بميزانين ؟
ستضطر أيها الغرب إلى أسف يعقبه ندم للاسترضاء .
لماذا ؟ لأن العرب، ولتكن أيها الغرب صريحاً مع نفسك وموفور نظرياتك وعلومك وما في الكتب المقدسة والمثبت تاريخياً موجودون إلى آخر الزمان .فلماذا هذا الموقف الذي يريق ماء وجه كاتب هنا أو هناك أو مفكر أو غير ذلك ، من الذين يشككون في ذلك، أو الذين يتصورون أن العِرق العربي أصبح عبئا على العالم ؟
لقد قيل إن المعلومة على قدر الحاجة ، وليس كل ما يعرف يقال ، وهناك دول عربية صاحبة استراتيجية وشفافية ناجحة ، بشهادة الجميع، إلا من قليلين من أولئك الذين يفتقرون إلى المعلومات أو من أولئك الباحثين عن الـ” ترند” !
الترند أيها السادة قد يهدم ما يتفق عليه القادة في الأعماق لمصلحة الأمن القومي العربي ، ولا يكون من مصلحة الشعوب إظهاره في العلن حتى لا يضر المصلحة الوطنية العربية العامة .
ولا أفضل أن يكون هناك رد على سقطات الترندات بأسطر غاضبة قد توسع من هوة الخلاف .
“الترند” الأسود مؤقت ، لا يغني ولا يثمر ولا يدوم – والتقدير للتمكين والتنافسية، وفتح ذراع الاحتضان لكل المواهب ، ولكل ما هو مفيد ، بدءاً من علوم الدين حتى علوم الفضاء والذكاء الاصطناعي .
لا ينبغي أن يضر عربي عربيا آخر بترند أو أي شئ مما يكدر الصفو العربي العام .

لا يحبط بعضنا بعضاً بقوله : لم تفعل كذا وكذا تجاه كذا أنت لا تجيد إلا “النعيق والنقيق والنهيق والتنطيط بين هذا الخبر وذلك الخبر وما يقال وما لا يقال ، في حين نحن دولة كذا أو كذا ، دولة أفعال وليست دولة أقوال ”
الالتفات إلى مثل ذلك يعيد في عصرنا الراهن مثل”داحس والغبراء” !
من حق كل منا أن يغضب لبلاده لكن دون أن يكون سبباً في اتساع دوائر الغضب العربي العربي .
إن مسألة تماسك عروبتنا يقلق فكر كثيرين دائما ويذكرهم كثيراً بالقرون الوسطى وقت أن كانت أوروبا لا تعلم عن العلم شيئا .
ولا يهمنا أبدا الآن التنقيب في الماضي، ولا يقلقنا ما يحاول بعضهم فعله من الداخل أو الخارج بقصد أو بغير قصد . ولا يهزنا ذلك ، لأن الباني طالع ، والهادم خسران ، خسران من كل النواحي ، ومن كل اتجاه ، يفضح نفسه ، ثم يرجع مجبراً يستسمح ويسترجي العفو ، لأن العرب – شاء من شاء وأبى من أبى – أهل سماحة . نحن أبناء العروبة والسماحة نسامح بعزة نفس! تاريخنا وحضورنا الواقعي وتوقعات المستقبل، كل ذلك ضمن لها أكبر احترام ، وأكبر تقدير، وأجل مكانة ، وما بين البلاد العربية كلها “أخوة صادقة قديمة وعلاقات متجذرة ، وتقارب أهلي وشعبي ومجتمعي يفوق تصور من يظن أن ترندا أو مجموعة من الترندات أو مليارات الشائعات والأكاذيب يمكن أن تفتت تماسكنا العربي .
قد يكون محتوى الترند مستدعيا قدرا من التعبير عن الغضب ، ولكن ينبغي ألا يخلو من معايير الإصلاح و التوجيه الهادئ الذي يراعي سلامة بناء التماسك الجمعي وإشاعة إخلاصية التوجه من أجل وحدتنا الوطنية العربية .
لماذا لا يكون ملتقى ضيوف الرحمن هذا العام بالمملكة العربية السعودية فرصة لمناقشة الأضرار التي تؤدي إليها أحابيل الترندات ؟
و فرصة من أجل تفعيل ما قد ورد بإعلان القمة العربية الثالثة والثلاثين بالبحرين الشقيق .
إن قوتنا في وحدتنا ، ولن نصل إلى مستوى القوة التي نصمد فيها أمام إحن ومحن هذا العصر إلا إذا أحب كل قطر عربي ما يحبه لنفسه .
فهذا الآخر الذي يستعدي قطرا عربيا على قطر آخر ، أو يشكك في نزاهته يعنيه من حيث بقاء ونماء قوته وضعف قوتنا العربية أن تكون الأمة العربية موجودة كأنها غير موجودة ، أي تكون مثل خيال المآتة ، الذي يُثبت في الحقول ليخيف الطيور بحركته التي تتم بفعل الرياح ، فلا حياة فيه ولا روح ، وإن كان من وجهة نظر الطيور ، مخيفاً ، لكن سرعان ما تكتشف بعض الطيور أنه خيال في خيال ، فتنقض على المحاصيل بلا رادع أو دافع .
هذا نداء لضيوف الرحمن ، حجيج بيت الله الحرام ، هذا العام ، نرجوهم وهم يطوفون حول الكعبة ، وهم على صعيد عرفات ، وهم في كل بقعة مباركة ، وفي كل لحظة تحوطها التجليات الربانية و التنزلات الملائكية بإذن الله، نرجو أن يتوجهوا لله في دعائهم لله :
سائلين إياه بقدر قدره العظيم أن يرفع قدر أمتنا العربية أمة الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي رفع الله ذكره وقدره وأن يقوي دعائم وحدتها وقوتها وأن يرد كيد الأعداء بما شاء وكيف شاء وهو على كل شئ قدير وهو نعم المولى ونعم النصير .

د.هشام محفوظ

كاتب وناقد وشاعر _ وإعلامي وإذاعي مصري _ عضو اتحاد كتاب مصر _ نائب رئيس شبكة البرنامج العام _ وكبير مذيعي إذاعة البرنامج العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى