كُتاب الرأي
غربة الروح!
غربة الروح!
الكل يبحث عن أصدقاء حقيقيين لأن ذلك كنز لا يملكه كثير منَّا.
ليست الصحبة هي تلك التجمعات والأعداد الكبيرة التي تجتمع بشكل دائم من أجل التنزه والمرح معًا.. قد تكون وحيدًا وقت الشدة، وقد ينكرك من حسبت أنه خليلك يومًا وكأنه لم يعرفك قط، حينها ستشعر فعلًا بأن روحك انفصلت عنك، قد تشعر بضيق في صدرك وتضيق بك الدنيا بما رحبت.
لكن هذه هي الحياة وهكذا تعلمنا أن الصحبة لا تُقاس بعدد السنين، إنما المعادن يكشفها الزمان والمواقف.
يتفنن الزمن في مفاجأتنا، ليس بالنسبة إلى الأصدقاء فقط، بل تمتد الصدمات وتكبر كلما كانت الخيانة من القريب.. فالأقرب، ومثال ذلك إنكار المعروف، وتقلب الحال من كونك عزيزًا إلى شخص مهمش غير مهم.. كلها تسبب لك الإحساس بالغربة، فالصديق لم يعد صديقًا والخليل لم يكن بكل ذلك النقاء، ومن حسبته أمينًا لم يكن يومًا كذلك..
عندما تحسن الظن بأحدهم فإنك لن تنتبه إلى أخطائه وعثراته؛ لأنك ظننتها أخطاءً عادية وزلات لسان، لكن كلما اكتشفت الحقيقة أكثر اتضحت الصورة بشكل أوضح.
من الطبيعي أن مثل هذه التجربة القاسية لا يحب أحدنا أن يعيشها ولو لمدة بسيطة، لكن اكتشاف الحقيقة وانكشاف الوجوه على حقيقتها -ولو كان مُرًّا- أفضل بكثير من أن تعيش بقية العمر في مسرحية تكون فيها ضحية لمن حولك..
لست وحدك من عشت تجربة كهذه، لذا لا تقلق وعليك بتوقع أي شيء من أي شخص وفي أي وقت، فكن حذرًا.
يقول المثل: من يعِش كثيرًا يرَ كثيرًا.
وبالفعل عندما تكون في أول اكتشافك للحياة وتختبر قسوتها عن طريق مثل هذه التجارب سيبدو لك الأمر صعبًا، وأنك لن تستطيع المواصلة، لكنك بفضل الله تجمع قواك وتتعلم وتنهض وتكمل المسير بدرس جديد وخبرة أكبر.
إن معرفة المرض وإن كان دواؤه غالي الثمن يبقى اختيارًا أفضل بكثير من جهلك به حتى تموت بسببه، وليس لنا إلا أن نرضى ونتعلم ونكمل، ولله الحمد في كل ما مضى وما هو آت.
