شئ عن الغرباء

إن عالمنا المعاصر – اليوم – يشهد وبشكل ملحوظ ، وعلى نحو غير مسبوق ،دورا محوريا مذهلا للتواصل بالاتصال الرقمي .
إنه دور يمتد إلى كل مناحي حياتنا المعاصرة بشكل مؤثر . لا نستطيع إنكار أثر الإعلام الرقمي اليوم- كيفما يتم توظيفه – على مسار الدول ، كما يؤثر على خطط الإنماء بها ، حيث نجد التكنولوجيات الرقمية تلعب دورا فاعلا ومؤثرا في أداء وتطور وتقدم العمل الإنمائي .
فالرقمنة – اليوم- لم تعد ترفا ؛ ولم تعد أمرا ثانويا ؛ بل أصبحت ضرورة ملحة ، وبدونها يصعب التواصل مع التطورات المذهلة والمهارات فائقة التقدم في عالمنا الحديث . فكل الخدمات وبمختلف أنواعها تعتمد اعتمادا عظيما على الرقمنة وتقنيات الاتصال الالكتروني والبيانات التي تتوفر عن طريق التقنيات التكنولوجية الرقمية .
فلقد تواصلنا مع هذا الصرح التنويري الوقاد”صحيفة آخر أخبار الأرض” بالرقمنة التكنولوجية .
لقد أصبحت الرقمنة واقعاً نعيشه ويعيش فينا وبيننا ، والأمر لا يحتاج إلى دليل يبرهن على صحة ما نقول .
و مع ذلك لابد من التفاعل الحذر مع هذا الأمر حتى حتى لا يتشظى العالم إلى مجموعة من الغرباء ، وحتى لا تأتي علينا لحظة نلوم فيها الرقمنة أو ندعو عليها في صلواتنا وقيامنا وساعات عبادتنا لله .
فكما تبكينا نوافذ التواصل الاجتماعي بمشاهد عندما نرى فيها ، على سبيل المثال أمهات – في الأرض المحتلة التي تمكنت المقاتلات و الدبابات و راجمات الصواريخ من هدم أحياء بأكملها – تحتضن الصغار و الأبناء في صدورهن وتناجيهم بكلمات تحرك الصخر وليس القلوب ، قم يا صغيري ، للذهاب للمدرسة ، أو الذهاب إلى عروسك! – نجد اعتناق أستاذة الأديان الأمريكية “جريد ماتسون”
أستاذة الأديان الكندية الأمريكية بكلية “هارت فورد بولاية ” كونتيكنت” الأمريكية .
من مواليد ٢٤ أغسطس ١٩٦٣.
أطلقت مجموعة من التساؤلات مع نفسها ثم شرعت في البحث الموضوعي في الأديان ومن بينها الدين الإسلامي و ساءلَت مفكرين وعلماء وباحثين ؛ فقيل لها : إن الله في الإسلام” ليس كمثله شئ”..”لم يلد ولم يولد..ولم يكن له كفواً أحد”.
هو الذي خلق كل الخلق. منزه عن كل المخلوقات . وإن الإسلام جاء – في المقام الأول – لنقل الناس من عبادة الأصنام إلى عبادة الله وحده..
وهنا أدركت “ماتسون ” معنى التوحيد ، وبدأت تقرأ وتبحث في الإسلام فقررت أن تقرأ القرآن الكريم لفهم الرسالة من مصدرها ونبعها الأصلي. وبعد بحث عميق ، آمنت أن الإسلام حق ، وأن رسالته الصدق ، وأن في اتباع تعاليمه الخير والحق والجمال .
كما آمنت أن سيدنا عيسى عليه الصلاة و السلام ليس ابناً لله عز وجل ؛ بل رسول من الله، وكتابه الإنجيل ، ثم نطقت الشهادتين ، وأعلنت إسلامها عام ١٩٨٧ .
بدأت ” ماتسون ” تطلب العلم الشرعي للتعبير عن عقيدتها الجديدة حتى حصولها على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية .
ثم أنشأت أوَّل برنامج ديني إسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية ، يصحح بسماحة للناس مفهوم الإسلام وحقيقته وتعاليمه التي تدعو إلى مكارم الأخلاق ونبذ العنف والتطرف والتعصب .
كما أوضحت أن النبي ﷺ نبي السلام والإنسانية والمحبة والرحمة والتراحم .
فإذا كان المرء غير قادر على أن يقول خيراً يبني ولا يهدم ، ينشر المحبة والسلام ولا ينشر الكراهية والبغضاء ؛ فعليه الابتعاد عن الخوض فيما يؤدي إلى الفتن ، أو إشاعة الشر بين البشر ؛ إذ يقول نبي الرحمة والإنسانية:
“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”
فبالاتساع أو التوسع في استخدام الرقمنة يمكن أن نسبق بالخير وإلى الفضائل ومحاورة المتغيرات العالمية محاورة سمحة بناءة توقظ الضمائر ؛ فلا نكون غرباء في هذا العالم، ولا يكون العالم غريباً علينا .
أجد نفسي من منطلق أمانة الكلمة أن أقدم التحية والتقدير والدعاء بالتوفيق الدائم من الله للجهات المختصة في مجال الإعلام والتثقيف والحج والاتصالات الإلكترونية في المملكة العربية السعودية على ما يُبذل من أجل إراحة و إفادة و إسعاد ضيوف الرحمن في رحلة الحج وفي أداء مناسك الحج والعمرة .
أقول هذا وقد كنت موفد قطاع الإذاعة المصرية مبعوثا للإذاعة لتغطية موسم الحج بالمملكة العربية السعودية عام ١٤٣٨هـ – ٢٠١٧ م ، شاهدت ذلك بعيني ، وكانت خدمات الإنترنت السريع في أعلى درجات مستويات الجودة .
ونسأل الله تعالى أن يتواصل العطاء هذا العام وكل عام بكفاءة عالية الجودة ، ومضاعفة استثمار الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات في استثمار موسم الحج لإمداد ضيوف الرحمن بالعوامل الإلكترونية المساعدة لمواجهة التحديات المعلوماتية ذات الصلة بالدين بمفهومه العام مع بيان سماحة الإسلام في خطاب أصحاب الديانات والعقائد الأخرى ، ليعودوا إلى أوطانهم بتلك الروح التي تجعل العالم يتفهم حديثاً نبويا شريفا صحيحا رواه مسلم في صحيحه ، “عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال : بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء ” .
هو حديث صحيح ثابت عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام – زاد جماعة من أئمة الحديث في روايات أخرى ، فقد قيل: يا رسول الله من الغرباء؟
قال صلى الله عليه وسلم:
الذين يصلحون إذا فسد الناس .
وفي اللفظ الآخر: يصلحون ما أفسد الناس من سنتي . وفي لفظ آخر:
هم أناس صالحون قليلون ، في أناس سوء كثيرين .
وعلى العموم ؛ فالمقصود بالغرباء: أهل الاستقامة .
“فطوبى للغرباء” هذا التعبير من الرسول يعني : “الجنة والسعادة”
لأولئك الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس عند تغير الأحوال والتباس الأمور ، و إذا قل أهل الخير ثبتوا فهم على الحق قد استقاموا على دين الحق ، موحدين الله مخلصين له العبادة، مستقيمين على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين . قد يكون هؤلاء هم الغرباء ، وهم من الذين قال الله فيهم وفي أمثالهم في كتابه الكريم في سورة فصلت : “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:٣٠- ٣١]
أي: ما تطلبون: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32].
فالإسلام بدأ بعدد قليل في مكة المكرمة ، لم يؤمن به إلا هذا القليل ، وأكثر الناس عادوه وعاندوا النبي ﷺ وآذوه عليه الصلاة والسلام وآذوا أصحابه الذين أسلموا لله معه ، ثم انتقل إلى طيبة/ المدينة مهاجراً ، وانتقل معه أصحابه . الإسلام في بدايته كان هناك في المدينة غريباً أيضاً ، حتى كثر أهله في المدينة وفي بقية الأمصار، ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً بعد أن فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام .
فالإسلام في بدايته كان غريباً بين الناس وأكثر الخلق على الكفر بالله والشرك به ، وعبادة الأصنام والأنبياء والصالحين والأشجار والأحجار ونحو ذلك ، ثم هدى الله من هدى على يد رسوله سيدنا محمد ﷺ وعلى يد أصحابه رضي الله عنهم ، فدخلوا في دين الله ، وأخلصوا عبادته ، وتركوا عبادة الأصنام والأوثان والأنبياء والصالحين ، وأخلصوا لله العبادة ، فصاروا لا يعبدون إلا الله وحده، لا يصلون إلا له ، ولا يسجدون إلا له ، ولا يتوجهون بالدعاء والاستغاثة وطلب الشفاء إلا منه ، سبحانه وتعالى ، لا يعبدون إلا الله وحده سبحانه وتعالى .
فهؤلاء هم الغرباء، وهكذا في آخر الزمان هم الذين يستقيمون على دين الله ، عندما يتأخر الناس عن دين الله، عندما يكفر الناس .
عندما تكثر المعاصي من الناس وتزداد شرورهم يستقيم هؤلاء الغرباء على طاعة الله ودينه .
فهؤلاء لهم الجنة والسعادة ، لهم عقبى الدار ، لهم العاقبة الحميدة في الدنيا وفي الآخرة .
فاللهم بقدر ذاتك عند ذاتك نسألك عقبى الدار ، ربنا استجب لنا ، ففي تدبيرك ما يغني عن الحيل، وفي كرمك ما هو فوق الأمل، وفي حلمك ما يسد الخلل، وفي عفوك ما يمحو الزلل، اللهم فبقوة تدبيرك، وعظيم عفوك ، وسعة حلمك ، وفيض كرمك ، نسألك أن تدبرلنا أمورنا بأحسن التدابير، تلطف بنا ، نجنا مما يخيفنا ويهمنا . اللهم لا نضام وأنت حسبنا ، ولا نفتقر وأنت ربنا ، فأصلح لنا شأننا كله ، ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
د . هشام محفوظ