*صراع الهوية والقيم في زمن الانكشاف*
*صراع الهوية والقيم في زمن الانكشاف*
نحن نعيش اليوم على مفترق طرق، طريقٌ يحافظ على هويتنا وقيمنا وأصالتنا، وآخر يجرفنا خلف تيارٍ خالٍ من المبادئ والحياء. بين هذين الطريقين يقف جيلٌ يترنّح بين ما تربّى عليه من ثوابت، وما تفرضه عليه المنصات والشاشات من نماذج وسلوكيات دخيلة. لقد أصبح المشهد مقلقاً حين تُعرض الخصوصيات على الملأ، وتُكسر الحواجز الأخلاقية تحت عنوان “الحرية الشخصية”، وكأنّ الحرية تعني الانفلات من كل قيمةٍ وضابط.
نشاهد اليوم من يتباهى بأفعالٍ يندى لها الجبين، شاب يخلع ملابسه أمام الكاميرات طلباً للشهرة، وفتاة تهاجم مبدأ القوامة الذي شرّعه الله لحماية الأسرة وتنظيم العلاقة الزوجية، وكأنها تتنكر لفطرةٍ وسُنّةٍ فطر الله الناس عليها. الغريب أن بعض هؤلاء حين يُنتقد أو يُذكّر بالقيم، يتقمص دور “الضحية”، وينسى أنه هو من أهان نفسه وأساء لصورته أمام المجتمع.
هذه الظواهر لم تأتِ فجأة، بل كانت نتيجة تراكماتٍ في التربية والإعلام والتعليم والمجتمع. حين تربّى الأجيال على المقاطع التافهة، وتُمنح الشهرة لمن يصدم الجمهور، ويُهمّش القدوة والمفكر والمبدع، فليس غريباً أن نجد من يرى الفضيلة تخلفاً، والحياء ضعفاً، والتمسك بالدين تشدداً.
العلاج لا يكون باللوم وحده، بل بإصلاح المنابع التي خرجت منها هذه السلوكيات.
أولاً: الأسرة، فهي الحصن الأول، وعليها أن تعيد بناء الوعي في نفوس أبنائها، لا بالمنع فقط بل بالقدوة والحوار، فجيل اليوم لا يُقاد بالأوامر، بل يُقنع بالعقل.
ثانياً: المدرسة والإعلام، إذ يجب أن يكونا شركاء في غرس قيم الحياء والاعتدال والانتماء للهوية، لا أن يتحولا إلى منصات للتطبيع مع الانحراف والسخرية من الثوابت.
ثالثاً: المؤثرون وذوو الفكر والرأي، عليهم أن يتصدّوا لهذا الانهيار الأخلاقي بالكلمة الصادقة والمحتوى الراقي، وأن يعيدوا تعريف الشهرة الحقيقية بأنها نفعٌ للناس لا جذبٌ للأنظار.
رابعاً: المجتمع، يجب أن يُشجع السلوك القويم، لا أن يصمت أمام الخطأ أو يبرره، فالتطبيع مع الانحراف أول خطوة للسقوط.
إن الحفاظ على الهوية والقيم ليس خياراً جانبياً، بل هو شرط لبقاء المجتمع متماسكاً وسليماً. حين تضيع القيم يضيع كل شيء: الأسرة، والاحترام، والحياء، والضمير. لذلك يجب أن نواجه هذه الظواهر بعقلٍ واعٍ وقلبٍ ثابت، وأن ندرك أن التنازل عن القيم ليس تطوراً، بل انحداراً.
لقد آن الأوان أن نرفع صوتنا دفاعاً عن أخلاقنا وديننا وهويتنا، وأن نقول بوضوح:
نعم للحرية بضوابطها،
نعم للتطور بما لا يهدم الحياء،
ونعم للانفتاح الذي لا ينسينا أننا أبناء دينٍ عظيمٍ جعل الكرامة عنوان الإنسان.
فمن فقد قيمه فقد نفسه، ومن تمسّك بأصالته عاش حراً كريماً مهما تغيّرت الدنيا من حوله.
