أقلام ناشئة

الذكاء العاطفي في زمن السرعة

الذكاء العاطفي في زمن السرعة

في زمن تتسارع فيه الأيام كلمح البصر، وتتنافس العقول على بلوغ القمّة بأيّ ثمن، يعيش الإنسان حالة من الانفصال العاطفي عن ذاته وعن الآخرين. صرنا نعيش وسط زحام من الأصوات والوجوه، لكن القلوب أصبحت أبعد من أي وقت مضى. أحيانًا أنظر حولي فأرى الناس منشغلين بالشاشات أكثر من انشغالهم ببعضهم البعض، وكأن الدفء الإنساني تلاشى بين إشعارات الهاتف وضغوط الأيام، وغابت لغة القلوب خلف شاشاتٍ لا تنبض.

الذكاء العاطفي ليس مجرد مصطلح جميل، بل مهارة حقيقية نحتاجها لنفهم أنفسنا قبل أن نحاول فهم الآخرين. هو القدرة على معرفة متى نصمت كي لا نجرح، ومتى نتكلم كي نُصلح، ومتى نُظهر اللين بدل الغضب. هو أن نفهم مشاعرنا، ونتحكم في ردود أفعالنا أثناء العواصف النفسية، ونمنح الآخرين اهتمامنا الحقيقي بدل أن نكتفي بالشاشات والأجهزة. كم من علاقة خسرناها لأننا لم نحسن الإصغاء، وكم من موقفٍ صعب مرّ بسلام لأن أحدهم امتلك هدوءًا ووعيًا عاطفيًا.

ولعل أجمل ما في الذكاء العاطفي أنه لا يُقاس بدرجات ولا يُحصر في شهادات، بل يظهر في تفاصيل صغيرة؛ في ابتسامة تُمنح لشخصٍ عابر، في كلمة طيبة تُطفئ غضبًا، في صبرٍ على قريبٍ يمر بضيق، أو في احتواء صديقٍ يتعثر في صمته. هو فنّ تحويل المواقف اليومية العادية إلى فرص لبناء جسور من المودّة والرحمة.

ربما لا نستطيع إبطاء سرعة هذا العالم، لكننا نستطيع أن نحافظ على إنسانيتنا وسطه. فالتكنولوجيا قد قرّبت المسافات بيننا، لكنها أحيانًا باعدت بين قلوبنا. إنّ الذكاء العاطفي هو تذكير يومي بأن التفوق الحقيقي لا يكون في سرعة التفكير، بل في عمق الإحساس، وأن التوازن النفسي لا يصنعه العقل وحده، بل يحتاج إلى وعيٍ عاطفي يضبط انفعالاتنا ويمنحنا إنسانيتنا من جديد. فالزمن يمضي سريعًا، لكن الأثر العاطفي يبقى خالدًا في القلوب، كعطرٍ لا يزول مهما تعاقبت الأيام.

بقلم / رنا الزهراني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى