يا مقادير الزمن .. هذا أنا
يا مقادير الزمن .. هذا أنا
يحيي عبدالله الوايلي
في أحد الأيام من عام 1396 هجري وُلد العبد الفقير إلى الله يحيى بن عبدالله. كنا نسكن ولا زلنا في البادية بتهامة عسير في إحدى قراها الجميلة. لم تكن الحياة آنذاك وردية. وُلدت بلا أب فقد أخذته الأقدار مبكرًا قبل ولادتي بأشهر قليلة، رحمه الله.
ولدت في بيت كله طيبة وحب وحنان وإنسانية، ولله الحمد. أمي حفظها الله، وخالي والدي الثاني، وجدتي رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته، وجميع موتى المسلمين.
كانت حياتنا متوقفة على الماشية (الحلال). نبيع الأغنام ونشتري مؤنة البيت الشهرية، وليس لدينا أي دخل سواها، إلى أن توظف خالي رحمه الله في الأمن العام أثناء غزو الكويت.
طفولتي لم تكن كأي طفل وُلد في المدينة، فالبادية لها قانونها وأحكامها وطريقة حياتها الخاصة. لم نعرف الراديو أو التلفزيون إلا عندما صار عمري فوق 11 سنة، وكنت وقتها أدرس في الابتدائية، وكانت أقرب مدرسة تبعد عن بيتنا فوق 50 كيلو متر وأكثر.
درست واجتهدت وتفوقت ولله الحمد، ولكن الحياة لا تمنحك السعادة الكاملة أبدًا، أبدًا، وغصب عنك لابد أن ترضى بما كتبه الله لك.
مرض خالي رحمه الله بعد أن دخلت المتوسطة، ووقتها كان يعمل في السلك العسكري شرطه جازان. كان خالي عمود البيت وسندنا الوحيد ومصدر بهجتنا وسعادتنا، ولأنه لم يكن لديه أبناء ذكور كبار وقتها، وكان يحتاج مرافقًا في المستشفيات أثناء تنويمه المتكرر بسبب مرضه الكبدي، توقفت عن إكمال المتوسطة في الصف الثاني متوسط.
مضت الأيام والأشهر والسنين، وفي لحظة أعتبرها أصعب لحظة في حياتي، توفى والدي وخالي ومعلمي الأول والأخير في الحياة، بعد أن زرع فيّ الرجولة والصدق والوفاء والحب والتضحية وكل معاني الرجولة الحقيقية.
رحل خالي عام 1416، وابتدأت عجلة الحياة الطاحنة الموجعة والمريرة تأخذني من مكان إلى مكان، ومن عمل إلى عمل. وأخيرًا تزوجت عام 1418، ولم تمضِ سنوات قليلة حتى توفت جدتي رحمها الله، وانفطر قلبي عليها لأنها كانت أحن من أمي عليّ وعلى إخوتي من أمي، التي تزوجت ورزقها الله بأبناء وبنات.
فرقتنا الدنيا، أنا وأمي وإخوتي، وذهبت إلى مدن شتى وعملت في أعمال شتى. لا أعلم إلى الآن لماذا لم أكمل دراستي. كنت أنظر إلى زملاء الابتدائية الآن إلى أين وصلوا، وأقول في نفسي: “ياربي أحمدك وأشكرك، ما تعاقب الليل والنهار”.
بعد زواج 10 سنوات و4 أبناء، انفصلت عن زوجتي، والحمد لله أولًا وأخيرًا على قضائه وقدره.
كانت الأحلام كبيرة جدًا، لكن الواقع المرير غير ذلك. كانت خطواتي كثيرة بحثًا عن الرزق الحلال، ولكن رزقك مكتوب لك، إن كان كثيرًا أو قليلًا. وفعلاً صدق من قال:
“لو تجري جري الوحوش، غير رزقك ما تحوش”.
ولكن مع كل هذا، إيماني التام بالله وقضائه وقدره، أن الخير بيده وكل شيء بيده. والله إن صحة الإنسان أهم من كنوز الدنيا، وأن العافية كنز، فالحمد لله أولًا وأخيرًا.
كاتب رأي