لحظات قبل النسيان

لحظات قبل النسيان
في يومٍ ساكنٍ كأن الزمن فيه توقّف عن المسير، كنتُ أنا وعائلتي مجتمعين، وجدي يتربع على كرسيه الخشبي الذي صار جزءًا من ملامحه منذ سنين. خيوط الشمس تسلّلت من النافذة بخجل، ترسم على الأرض بساطًا من نورٍ دافئ، بينما عيناه تبحران في صمتٍ عميق، كأنهما تبحثان عن شاطئٍ بعيد من ذكرياتٍ غابرة. عقله الذي كان يومًا عامرًا بالحكمة، بدا الآن شاردًا، وروحه كطائرٍ تائه لا يعرف إلى أين يحطّ.
اقتربتُ منه بخطواتٍ هادئة، كأنني أخشى إزعاج ذلك السكون، وبدأتُ أستعيد أمامه ملامح طفولتي المنسية؛ كيف كان يرفعني على كتفيه فأشعر أنني أعلو السحاب، وكيف كان ضحكه يحتويني فيدفئ قلبي الصغير. تذكرتُ ليالي السمر وحديث المساء، حين كانت ضحكاتنا تمتلئ بها أركان البيت.
كنت أروي، وهو يصغي بصمت، حتى لمحَت عيناي ابتسامةً واهنة تتسلّل إلى شفتيه، وكأن كلمةً من الماضي طرقت باب قلبه بلطف فأيقظت فيه ما ظننته خمدَ إلى الأبد.
كانت لحظةً عابرة، لكنها بالنسبة لي كانت كنزًا ثمينًا، ومشهدًا لا يُنسى؛ لحظةٌ قالت لي دون كلمات: إن الماضي لا يرحل تمامًا، وإن الحبَّ الحقيقيّ لا تهزمه السنين. ذاكرة جدي قد تتبعثر، لكن ما نقشناه يومًا في القلب يبقى حيًّا لا يموت، فبعض الذكريات لا تُحفظ في العقول… بل تُخلَّد في الروح
بقلم ✍🏻 لمار موسى
