نورٌ في وسط العتمة
نورٌ في وسط العتمة
في بلدة صغيرة تحيطها الجبال، وُلدت جوري فاقدةً للبصر، لكن قلبها كان مليئًا بألوان لم تعرفها عيناها قطّ. وبعد عامين من ولادتها توفّي والدَاها في حادثٍ مروري، فعاشت تعتمد على سمعها المرهف، ولم تفارق يدَها تلك العصا التي ترشدها في الطريق. وها هي اليوم تبلغ السابعة عشرة من عمرها.
ورغم إعاقتها، كانت جوري تتحلّى بشجاعةٍ وإصرار أبهرَا كل من حولها. كانت تعشق الحكايات التي ترويها لها جدتها كل ليلة، وتغوص عبرها في عالمٍ داخلي نسجته من الكلمات والأصوات والخيال.
وذات يوم، وبينما كانت تسير برفقة كلبها “روكي”، تعثّرت بحجرٍ وسقطت أرضًا. شعرت بالعجز للحظة، وكاد البكاء يغلبها، لكنها سرعان ما تماسكت، ونهضت هامسةً لنفسها:
“قد أكون عمياء، لكن قلبي يرى… وقلبي قوي.”
منذ تلك اللحظة، قررت جوري أن تُحوِّل حياتها إلى رسالة. بدأت تعلّم الأطفال المكفوفين في البلدة القراءة بطريقة برايل، وغرست فيهم الثقة بأنهم قادرون على تحقيق أحلامهم.
وفي يومٍ مشرق، زار البلدةَ فريقٌ صحفي يصوّر فيلمًا وثائقيًا عن قصص التحدّي. سمعوا عن جوري وطلبوا لقاءها. جلست معهم تحكي عن رحلتها، وكانت كلماتها مشبعةً بالقوة والأمل، حتى قال أحدهم:
“أنتِ لا تحتاجين إلى عيونٍ لتُبصري العالم… أنتِ تضيئينه بقلبك.”
أصبح اسم جوري عبد العزيز معروفًا، وحصلت على فرصةٍ للدراسة في المدينة. لم تتردد رغم الخوف من مغادرة البلدة التي اعتادت عليها. ودّعت جدتها وأصدقاءها، ووعدتهم بأنها ستعود يومًا ما لتثبت أن العمى ليس عائقًا… بل نافذة لرؤية العالم بطريقة مختلفة.
فالأمل يسكن قلوبنا جميعًا، فلا تدعوه ينام.
بقلم ✍🏻 : رنا عبد الله الزهراني
