كُتاب الرأي

شيخ شملنا عضوان الأحمري

عندما كنت شابا كان حلمي أن أصبح صحفيا معروفا أو كاتبا مؤثرا، فنذرت نفسي لعالم الصحافة والكتابة، وواجهتني عقبات كثيرة في بداياتي، وأبواب الصحف بلا سبب تغلق أبوابها في وجهي، وكل رد كنت أتلقاه منها كان بمثابة ضربة قاسية تهدد صمودي وطموحي وإصراري ﻭ موهبتي.

ولكن، في عصر تسيد الإنترنت، وتفوق الديجيتال على مكائن مطابع الصحف الورقية المزعجة، وغطرسة رؤساء تحرير بعضها، قررت أن أغير استراتيجيتي، فأنشأت مدونة خاصة بي، ولكن سرعان ما فشلت أيضا مدونتي، ثم اتجهت إلى شبكة نسيج، الوحيدة في تلك الفترة التي تنشر على الشبكة العنكبوتية، ونشرت فيها مقالاتي بأسلوب يمزج بين العمق والأصالة والفكاهة، ومع مرور الوقت، بدأت مقالاتي شيئا فشيئا تلفت الانتباه، وبدأت الطاقة السلبية بيني وبين عالم النشر تنجلي، والطاقة الإيجابية بيننا تأخذ مجراها الطبيعي، والصحف الورقية التي كانت تراقب من بعيد نموي تتواصل معي طالبة إسهاماتي في الكتابة على صفحاتها، فجاء الاعتراف بموهبتي لا من باب الطلبات اليائسة التي كنت أرسلها، وترفض أو لا يُردُّ عليها، بل من خلال الطلبات التي تأتيني من الصحف التي أوصدت أبوابها في وجهي، وبعد التهميش المتعمد تعترف بقيمة قلمي وتشيد بمقالاتي.

اليوم وبعد أن كنت بالأمس مغمورا، واليوم نجما صاعدا في سماء الصحافة الإلكترونية كما يحلو للبعض أن يسمّيني، ومثالا للإصرار والإبداع، أقول لمن يعاني مثل ما كنت أعانيه، لا يكفي أن تكون موهوبا فحسب، بل يجب أن تكون عنيدا مبتكرا، مستعدا لكي تسلك طرقا غير تقليدية في سبيل تحقيق حلمك كلما أوصدت في وجهك الأبواب.

في تلك الفترة كان وضع الصحافة الورقية يتدهور تدريجيا، وأصبحت ميدانا لجميع خلق الله ما عدا أنا، وكل من لا يملك موهبة، وليس لديه سابق خبرة، ولا اختصاص يمارس كذبا على صفحاتها السحر الحلال، وهم لا يجيدون كتابة سطرين على بعضهما، ويتعاملون مع الكتاب الحقيقيين الذين لا ظهر لهم، ولا سند، ولا وساطة بتعال وتهميش متعمد، وفوق هذا يسعون “للبروز” بأيديهم، وأرجلهم، ولا يقدمون للقراء محتوى ذو قيمة.

إن الصحافة شغف يسري في دم الصحفي، وحب عذري ينشأ بينه وبين معشوقتيه المعرفة والكلمة، وسيوف تُسلّطُ على رقاب أعداء الوطن، فيكفي أننا من عشرات السنين لا نُعرفُ في وكالات إعلام العالم كله إلا بــ ” سلاقي البيض”، وبمغطي الأحداث على هوانا، وبمتجاهلي الحقائق عمدا، ونحن إما “سكتم بكتم”، أو ننقل عنهن من سذاجتنا كل شيء حتى ما يسئن به إلينا.

صحافتنا همها الوحيد تتبع أحداثا جدلية وسطحية تافهة، ولا تركز إلا على صراعات الفنانين، ونشر غثاء المشاهير على مدار الساعة، وهند لبست قصير، وهيوفه خرجت من البحر بالمايوه، وعزوز أشتري لجدته بي إم دبليو، وأمل تزوجت خواجة، وسارة مزهزه على الهواء، وتهمل أحداثا ثقافية وفكرية مهمة، ومفكرين وكتاب، أكثر فائدة لمجتمعنا من هؤلاء الذين يعيشون حياتهم بالطول والعرض دون أن يشعروا بأن على الجانب الآخر أناسا يعيشون بيننا بالاسم على قيد الحياة.

فنحن المطمورون في الأرض، ليس لنا بعد الله من نلوذ به سوى شيخ شمل الصحفيين عضوان محمد الأحمري ليضع للصحافة الإلكترونية والورقية معايير وضوابط صارمة، وينصفنا من التافهين، ويقوم بتدريبنا وتأسيسنا مهنيا ليُشارَ إلينا بعد ذلك بالبنان، فنحن دخلنا عالم الصحافة كهواة، وساعدنا حبنا وشغفنا ومثابرتنا في تحقيق النجاح، ولولا ثورة الإنترنت لبقينا إلى اليوم نطرق أبواب رؤساء التحرير الذين يحتاجون إلى تثقيف أو طرد، أو بملفاتنا الخضراء من باب لباب، ولا يُفتحُ لنا، أو لا نزال نغطي صراعات الفنانين والمشاهير، ونقبل أيادينا وجه وقفا، ونحمد الله.

إن كنا نريد الارتقاء بالصحافة “يا ريس” فيجب أن تميز هيئة الصحفيين السعوديين بين الصحفيين الحقيقيين وبين من يدعون معرفة الصحافة، ويعملون بها دون أساس مهني صلب، فالصحافة ليست مجرد وظيفة يمكن لأي شخص أن يقوم بها دون تأسيس مناسب، أو موهبة حقيقية، أو دون شغف لمهنة المتاعب التي يحلو للبعص تسميتها بهذا الاسم، وابصم لهم بالعشرينَ إصبعاً لا بالعشرة.

من الضروري أن تعيد هيئة الصحفيين الاعتبار لمهنة الصحافة كمهنة إعلامية ذات أهمية قصوى للشباب السعودي الذي ليس لديه القدرة الكافية للدخول في المجال الإعلامي، ويمتلك الموهبة، وتختار الصحفيين الإلكترونيين الحقيقيين من بينهم بمهارة وعناية فائقة، فظاهرة الصحافة التي تركز على الإثارة بدلا من التحقيقات العميقة، ونشر المقالات التافهة، تؤدي إلى تشويه الحقائق، ولا تقدم للعالم صورة كاملة ومتوازنة، وتضر بدولتنا وبمجتمعنا، وسمعتنا أكثر مما تنفعها، وتقوض الثقة بين المواطنين وصحفنا وهيئتها الموقرة.

آن الأوان للصحفيين السعوديين أن يحافظوا على المعايير الأخلاقية والمهنية، وألا ينجرفوا وراء الأخبار السطحية والساذجة ﻭ التافهة التي تجذب الانتباه فقط، وأن يستعيدوا دور صحافتنا كركيزة أساسية لحرية الرأي والكلمة، فالصحافة يجب أن تكون قوة للحق والخير لا قوة للظلم والشر، وأن يغرسوا الوطنية في نفوسنا ونفوسهم غرسا، فمن يعشق تراب الوطن يجني من ترابه الأمان، والسلام، ثمرة.

محمد الفريدي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى