كُتاب الرأي

(*واحدٌ من خمسةٍ يُبكى عليهم*)

(*واحدٌ من خمسةٍ يُبكى عليهم*)

كنت أسمع بمقولة (نزل عليه الخبر كالصاعقة) وكنت أظنها تعبيرًا مجازيًّا يصور الخبر وكأنه شيء مادي ينزل على شخص في صدمة أو مفاجأة، وبين ماتعرفه اصطلاحا أولغة وماتعيشه شعورًا كما بين السماء والأرض. كان يوم الأربعاء ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ والساعة تشير للحادية عشرة صباحا وبينما كنت أمشي في أحد أروقة مستشفى عرفان بجدة، إذ اهتز جوالي بنغمة قدوم رسالة -وعلى غير العادة- أوجست منها خيفة !! أخرجت جوالي وتوقفت عن المشي فكانت الرسالة التي ألزمتني الجلوس لدقائق بين صدمة وحالة ذهول تخللها مرور سريع متذبذب كرسم تخطيط القلب لشريط من الصور والذكريات والمواقف وشعرت من داخلي بجلجلة صدى صوت كأني أسمعه لأول مرة، لكنه مألوفٌ لمسمعي محبوبٌ لقلبي، حمل في موجاته ترجمة لشخصية عرفتها منذ مايقارب ثلاثين عاما، شخصية صديق بمنزلة الأخ، اتسمت بالحكمة وتزينت بالكرم في أسمى معانيه كرم المشاعر، والأخلاق والتعامل، وكرم الصحن، فبرغم قصر الدقائق إلا أنها كانت كفيلة بأن تفصلني عن المكان رغم ازدحامه بالمارة وتقطع عني أصواتهم ورنين أجهزة العيادات الممتدة على طول الممر وأصوات نغمات الجوالات فنسيت أين أنا ؟ ولماذا أنا هنا ؟ أعادتني بسرعة خاطفة لثلاثين عاما خلت وطوت معها ملفا به من المواقف النبيلة والمشرفة وصور الطيب والمعروف والسيرة الجميلة والذكريات والأمسيات والرحلات… لو أردت تدوينه لاستغرقت أياماً بل شهورًا عديدة، انحدر الدمع من عيني بلا شعور، وسرحت في موجة حزنٍ عاصفة وزفرات متتالية لأستعيد توازني على صوت يردد اذكرالله وتعوذ من الشيطان! التفت فإذا برجل لا أعرفه لكنه كان يجلس على كرسي مجاور ينتظر دوره في إحدى العيادات، وقفت متثاقلا ! فأدركت المعنى المجازي لعبارة “*نزل عليه الخبر كالصاعقة*”
ترحمت على تلك الشخصية وأيقنت بأن قبيلة (دوس بني علي) قد فقدت ركناً من أركانها ، ورمزاً من رموزها ، وأن الكرم قد ثُلم ثُلمة في حدِّه ، وأن الحكمة والمعرفة قد أصابها شلل نصفي بفقده فقد كان أحد أربابها وساداتها.
ولم يكن فقدهم بأكبر من حجم فقدي وما أشعر به فقد كان لي الأخ والملاذ والمستشار الذي ألجأ إليه -بعد الله- إذا وقعتُ في معضلة فكنت إذا غلبني أمر أويت لركن شديد فقد كان رجلاً بقبيلة ؛ إليه تنيخ المعضلات ركابها فيحل عُقلها
رحل فارس الحكمة وسيدها
وحامل لواء الكرم
شريف المذهب
والرمز والنبراس
رحل سيد من سادات دوس
رحل سعيد بن حسن الخدري الدوسي الزهراني
وترك فراغا لا يملؤه أحد
ترك إرثا من الطيب والمكارم والسيرة المحمودة ما لو وُزِّع على بلدٍ لكفاهم !
أفل نجم هذا الكريم بعد سبعة عقود ظل ساطعا ينير سماء دوس سراة وتهامة
رحل أبو بشار تاركا له بصمة في قلوب قبيلته وفي قلوب محبيه من أغلب قبائل المملكة.
فلم يكن فقده على دوس فقط بل على كل من عرفه وارتبط معه بعلاقة ولو يسيرة.

عَلَيـكَ سَــلامُ اللَهِ وَقْـفاً فَإِنَّني
رَأَيتُ الكَريمَ الحُرَّ لَيسَ لَهُ عُمرُ

إلى جنة عرضها كعرض السماوات والأرض برحمة الله وعفوه وجزيل كرمه.
وأختم.. حالفا غير حانث أن أبا بشار واحدٌ من الخمسة الذين *يُبكى عليهم*.

*سعود بن شباب العتيبي*
جدة الجمعة ٢٧ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

 

‫9 تعليقات

  1. الدكتور سعود بن شباب … لقد جسدت في مقالتك السابقة في ذكر مآثر هذا العلم وذاك الرمز من زهران مايجعلنا جميعاً نتضرع إلى الواحد الأحد بأن يُنزل عليه شأبيب الرحمة وان يغفرله وان يحسن اليه وان ينزله منازل الصديقين والشهداء وان يُلهم اهله وذويه وكافة محبيه الصبر والسلوان ، ماسطرته في حق الشيخ هو حفظ جميل ، جميل العشرة و الاخوة معه والذي يجعل من ذكر ماذكرت في حقه من صفات العرب الأفذاذ والذي كان يمثله بجدارة ابا بشار في الجود والكرم والبذل والعطاء والنخوة والنصيحة والبطولة والفروسية ركن لا يسقطه عذر ووفاء معهود منك ولاغرابه فأنت من بيت الامارة والقيادة، عزاؤنا لذويه فلتصبروا ولتحتسبوا فقد وفد على كريم .
    الدكتور سعود دائما لك الذكر الحسن ممزوج بالروح لا ينزعه إلا موت.

  2. الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

    لله ما أعطى ولله ما أخذ، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله.
    الحمد لله على قضاء الله وقدره، سلّمنا أمرنا كله لله، واستودعناه روحاً كانت لنا حياة، ونعلم أنها بين يدي أرحم الراحمين.

    رحل والدي…
    رحل عظيم القوم وسند الروح وركن البيت، رحل من كان لنا أباً وأخاً وصديقاً وقائداً.
    رحل الرجل الحاكم العادل، البسيط في طباعه، الكبير في مقامه، المهاب عند الجميع.

    كان رجلاً لا يشبهه أحد، صاحب حكمة وحنكة وفطنة، لا ينطق إلا بما فيه نفع وخير، يسعى فيبني، ويعطي فلا يملّ، ويزرع الحب في قلوب من حوله.

    وقد خلّف من بعده تسعةً من الرجال وسبعاً من البنات، كلٌّ منهم يحمل صفةً من صفاته العظيمة، وكلٌّ منهم يسير بخطى من أثره العظيم.

    الفقد موجع، والرحيل صعب، لكن لا بد أن نصبر ونتصبر ونتماسك.
    نسأل الله أن يربط على قلوبنا جميعاً، وأن يغفر له ويرحمه، ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجمعنا به في عليّين حيث لا فراق بعده أبداً

  3. رحم الله والدي، فقد رحل بجسده وبقيت سمعته الطيبة شاهدة عليه، يذكره الناس بخير ويدعون له بالرحمة، وذلك أعظم إرث يتركه الأب لأبنائه

  4. شكرا سعود شكرا جارنا الحبيب الوفي 🌹🌹ابن الحره الشيخه الوفيه الف شكر على وفاىك وانتماك القبيله زهران مانسيت عشرتنا وحنا مانسينا عشرتكم. الحلوه غالين

  5. لشاهد زمان ومرجعية في الوفاء

    بيض الله وجهك يا أبو ماجد، الله يجبر بخاطرك كما جبرت خواطرنا بكلماتك الصادقة ومقالك الذي خرج من قلب وفيٍّ يعرف معنى الاصالة والوفاء. لقد قلت فأحسنت، ووصفت فأجدت، وأشهد أنك نقلت ما في صدورنا من حزنٍ وما في قلوبنا من اعتزاز بفقيدنا الغالي، الأمير كما يحلو لأصدقائه مناداته ، ووالله انك مرجعية في الوفاء والامانه

    لقد ذكرتَ مناقبه ومواقفه، ووالله إنك ما زدت على الحقيقة حرفاً ، ولا أنقصت من قدره شيئاً، فقد كان – رحمه الله – علماً من أعلام قومه، ركناً من أركان قبيلته، ورمزاً من رموز الكرم والحكمة، يُشار إليه بالبنان ويُستضاء بسيرته بين القبايل.

    إن شهادتك فيه وسام على صدورنا وصدور ذريته وربعه، وهي ترفع من قدره عند من عرفه ومن لم يعرفه، وتُثبت أن المكارم لا تموت بغياب الأجساد، بل تبقى سيرةً تُروى ومجداً يُذكر.
    لقد كان أبونا – رحمه الله – من الذين إذا ذُكروا قيل: هنا رجل عاش للناس أكثر مما عاش لنفسه، فما أغلق مجلسه يوماً، ولا رد سائلاً، ولا أعرض عن ملهوف، وكان مع فقره من أكرم الناس عطاءً، ومع بساطته من أعظمهم حكمةً، ومع زهده من أرفعهم قدراً.

    يا أبو ماجد، مقالك هذا ليس كلمات على ورق، بل هو عهد وفاء بين رجال، وهو شاهد عدل على رجلٍ عاش سيداً بين قومه بلا منصب ، لكنه نال محبة كل من عرفوه ، حتى صار حديث المجالس في حياته وبعد مماته.

    نسأل الله أن يكتب أجرك على هذا الوفاء، ويرفع قدرك ، وأن يجعل ما سطّرت في ميزان حسناتك، وأن يرحم والدنا برحمته الواسعة، ويجمعنا وإياه وإياكم في دار النعيم عند مليك مقتدر.

    جزاك الله خير، وعز الله أن شهادتك تاج نضعه على رؤوسنا، وطيبك هذا دين في أعناقنا، وسيبقى ما كتبته نوراً يخلّد ذكرى أبو بشار في قلوب من عاصروه.

  6. بسم الله الرحمن الرحيم

    إلى الوفي النبيل / سعود بن شباب العتيبي حفظك الله ورعاك

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    لقد قرأت كلماتك الصادقة التي خطها قلمك وفاض بها قلبك، فلامست فينا أعمق الجراح وأيقظت فينا مشاعر الفقد من جديد. لقد أجدت وأوفيت في رثاء والدنا الغالي سعيد بن حسن الخدري الدوسي الزهراني أبو بشار ، ولمست بحروفك من مكارمه وخصاله ما يشهد له به القريب والبعيد
    إن شهادتك فيه تاجٌ نضعه على رؤوسنا، ووسامٌ نفخر به بين الناس، فهي شهادة رجلٍ صادق عاشره وعرف مكانته. لقد كان والدي رحمه الله كما وصفت وأكثر، رجل حكمة ووفاء وكرم، عاش بين الناس رفيع النفس عظيم الشان ، رحل بجسده وبقي أثره وطيب سيرته في القلوب
    نسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يجعل ما قدمه في موازين حسناته، وأن يسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. كما نسأله سبحانه أن يجزيك عنا خير الجزاء على وفائك وصدق مشاعرك، وأن يكتب لك الأجر على كل كلمة سطرتها في حقه .

    لقد عززت كلماتك صبرنا، وأشعرتنا أننا لم نفقد والدنا وحدنا، بل فقده كل محب ومعروف ومكرم.

    جزاك الله خيراً، وبارك فيك، ولا أراكم الله مكروهاً في عزيز لديكم.

  7. للهُم إجعل ذكر ابي عامرًا في سمائك بين ملائكتك وفي أرضك بين خلقك اللهُم لا تدع اسمه يُنسى من دعوات عبادك اللهُم سخر له من يدعو له دون ملل اللهم ارحم ابي عددَ ما صلَّى عبادك، و عدد ما رُفِعت الأيادي لدُعائك ورجائك

  8. احسنت ابا ماجد كل ماذكرته صحيح في فقيد دوس بني علي
    صاحب الحكمه والرزانه والكرم . رحم الله ابا بشار واسكنه فسيح جناته

    1. ما أصعب البكاء بدون دموع، وما أصعب الذهاب بلا رجوع، وما أصعب الشعور بضيق،
      نحمل لك ابا بشار في ذاكرتنا ملايين الذكريات و
      الحكايات، نتلوها في قلبونا بين الحين والآخر، نواسي انفسنا بها حتى لا يقتلنا الألم.

      د.سعود بن شاب العتيبي
      ابا ماجد
      *وما اعظم الوفاء*
      وصدق الإخاء وسموا الأخلاق والنفس حين أرى تلك الكلمات والأفعال التي كُتبت
      على مدى تلك العقود الماضيه ولا زالت مستمره
      الصداقة الحقيقية ليست بالمواقف السطحية أو طول العشرة، بل بالتواجد في أصعب الأوقات والحفاظ على عهد الوفا ونحن شهود الله في أرضه ، لكم اخي وصديقي في قلبي مكانه عظيمة توازي مكانة الراحل رحمه الله
      دمتم بخير
      وعظم الله اجرنا جميعاً وجبر المصاب

      ابو فواز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى