الصديق الخيالي

الصديق الخيالي
في مدينة صغيرة حيث كانت السماء زرقاء ، عاش فتى يُدعى “أمين” كان طفلًا وحيدًا، لا يملك إخوة، ولا يجد من يفهمه بين أقرانه، لم يكن يُجيد الحديث مع والديه، ولم يشعر أبدًا أن أحدًا يفهم عالمه الداخلي المليء بالأفكار الغريبة والأحلام العجيبة
لكن أمين لم يكن وحيدًا تمامًا، فقد صنع لنفسه صديقًا خياليًا أطلق عليه اسم “إياس”. كان إياس ظله الذي لا يفارقه، يستمع لكل أسراره، يضحك معه، ويشاركه كل تفاصيل يومه. كان أمين يحدث إياس كل ليلة قبل النوم، ويحلم به دائمًا، وكأنه جزء منه لا ينفصل..
مع مرور السنوات، ازدادت علاقة أمين بصديقه الخيالي حتى بات لا يتحدث مع البشر.. أصبح عالمه كله محصورًا بينه وبين ذلك الصديق الذي لا يراه أحد سواه
كبر أمين، لكنه ظل كما هو… طفلًا يعيش في رأسه، يتحدث إلى ظل لا وجود له إلا في خياله، حتى جاء اليوم الذي تغير فيه كل شيء.؟
في صباح بارد استيقظ أمين وهو يشعر بشيء غريب… شيء ناقص، حاول تذكر ما كان يفعله البارحة، لكن ذاكرته كانت ضبابية. نهض من سريره، نظر حوله، بحث عن إياس في زوايا عقله، لكنه لم يكن هناك
حاول مناداته، لكن لم يأتِه الرد. حاول استرجاع أي ذكرى تجمعهما، لكن عقله كان صفحة بيضاء. لم يعد يتذكر شكل إياس، أو صوته، أو حتى لماذا كان مهمًا له كان الأمر وكأن شخصًا انتزع جزءًا من روحه وألقاه في العدم.
تجول في المنزل، نظر إلى والديه الجالسين في غرفة المعيشة، أراد أن يسألهم عن شيء، لكنه لم يكن يعرف ماذا يسأل… نظر إليهم طويلًا، وكأنهما غريبان عنه، ثم عاد إلى غرفته، حيث جلس في زاوية باردة، يحاول أن يتذكر… لكنه لم يستطع.
ومع مرور الأيام، بدأت ذاكرته تتلاشى أكثر، حتى لم يعد يتذكر أي شيء عن طفولته. كل ما تبقى لديه كان إحساسًا غريبًا بالفراغ، وكأن هناك شخصًا كان هنا… ثم اختفى
لكن أمين لم يصدق الأمر بسهوله كيف يمكن أن يكون إياس مجرد وهم؟ كيف يمكن أن تكون كل تلك السنوات من الحديث والضحك والأسرار مجرد خدعة صنعها والداه من أجل ألا يشعر بالوحدة؟
وقف هناك في صمت، بينما كان والداه ينظران إليه بحنان. قال والده بهدوء:
“كنا نخشى عليك، لم يكن لديك أصدقاء، ولم تكن تتحدث مع أحد. كنا نرى حزنك وعزلتك، فقررنا أن نكون معك حتى لو كنت لا ترانا… فأصبحنا نكتب لك محادثات نوار، ونتركها في دفتر الذكريات.”
شعر أمين بارتباك شديد، كان يريد أن يغضب، أن يصرخ، أن ينكر، لكنه في أعماقه كان يعلم أنهم فعلوا ذلك حبًا فيه. أغمض عينيه للحظة، وأدرك أن السنوات التي قضاها مع “إياس” لم تكن بلا معنى، بل كانت جسرًا قاده ليصبح أقوى، ليواجه العالم دون خوف.
مع مرور الأيام، بدأ يتقبل الحقيقة. كان يتأمل دفتر الذكريات، يقرأ الصفحات القديمة، لكنه لم يعد يشعر بالحزن. بدلاً من ذلك، شعر بالامتنان… امتنان لوالديه اللذين لم يتركاه وحده، وامتنان لذلك الصديق الذي لم يكن موجودًا، لكنه ساعده على أن يكون الشخص الذي هو عليه اليوم.
كبر أمين ، وأصبح أكثر انفتاحًا، لم يعد بحاجة لصديق خيالي، لأن لديه الآن أصدقاء حقيقيين، تعلم كيف يتحدث مع الناس، كيف يثق بهم، وكيف يكون سعيدًا بعلاقاته الحقيقية، وليس فقط بعالمه الخاص.
وفي إحدى الليالي، بينما كان يقلب دفتر ذكرياته للمرة الأخيرة، ابتسم وقال بصوت خافت:
“شكرًا لك يا إياس… حتى وإن لم تكن حقيقيًا، فقد كنت جزءًا مني.”
ثم أغلق الدفتر، ووضعه في صندوق ذكرياته، مستعدًا لبدء فصل جديد من حياته… هذه المرة، مع أشخاص حقيقيين.
بقلم / شهد فيحان المطيري