كُتاب الرأي

“العدل مؤجل.. لكنه لا يغيب”

“العدل مؤجل.. لكنه لا يغيب”

بقلم/ د.عبدالإله محمد جدع

منذ أن خُلق الإنسان وهو يسابق ظله، يريد أن يقطف الثمار قبل نضجها..وينتقم قبل أن يكتمل ميزان العدالة، ويحسب أن الزمن رهينة يديه.. لكنه ينسى أن الله جعل للكون سننا وللأحداث آجالا، وأن الاستعجال ليس إلا صورة أخرى من الجزع الذي وصفت به النفس “خلق الإنسان هلوعا” و “خلق الإنسان من عجل”.

المظلوم حين يجزع يستعجل القصاص، كأنه يريد أن ينزل ميزان السماء إلى الأرض.. يظن أن برد روحه لن يجيء إلا إذا رأى عدوه صريعا أمامه.. لكنه ينسى أن الله وعد “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين”.. فالصبر هنا ليس ضعفا.

وأما الظالم فيخدع بانتصاره العابر.. ويتوهم أن غلبته دليل قوة وصلاح، وأن ما يكسبه حتى لو كان حراما هو نعمة دائمة.. وما هو إلا استدراج. كالغريق يزداد حراكا كلما ابتعد عن الشاطئ..قال تعالى “سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين”، كمن يساق بخطاه إلى حتفه وهو يبتسم.

ثم ماذا عن جزاء الآخرة. قال تعالى “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”.

الحياة سلف ودين. إنها فلسفة الانتظار. انتظار حكمة الله لا عجز المظلوم.. وانتظار العقوبة لا أمان الظالم. فالحياة ليست مسرحا بلا حساب.. لكنّها سجل تودع فيه كل صرخة ظلم. وكل دمعة. وكل آه.. وما فات في الدنيا سيعود في الآخرة مضاعفا..يوم ترد المظالم، ويقف الناس أمام العدل المطلق “ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون”.

فلتكن حياتنا يقينا وانتظارا لا جزعا ويأسا. فالعجلة حسرة آنية. والصبر خير مؤجل. والزمن صندوق الأعمال يفتحه الله يوم القيامة ليظهر كنوز الصابرين وفضيحة الظالمين.

كاتب رأي 

 

الدكتور / عبدالإله محمد جدع

أديب وشاعر وكاتب رأي سعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى