كُتاب الرأي

الإيجابية السامة .. حين يتحول التفاؤل إلى عبءٍ نفسي

الإيجابية السامة .. حين يتحول التفاؤل إلى عبءٍ نفسي

بقلم / وداد مسعد ✍🏻

دائمًا ما كانت الإيجابية من أكثر أدوات السعادة والتفاؤل بالحياة التي يطمح إليها كثيرٌ من الناس ، ورغم سعي الكثير لأن يكون شخصًا إيجابيًا لأنه يرى في ذلك سبيلًا ليصبح أكثر تفاؤلًا وتصالحًا مع الذات وأكثر إنتاجية ، إلا أن هناك نوع من الإيجابية يعرف بـ” الإيجابية السامة ” تلك الإيجابية التي تجعل من الشخص يتبع أسلوب المشاعر الإيجابية بشكل مفرط والإصرار عليها ونبذ أي مشاعر سلبية مهما كانت الظروف موجعة، و التي لايرى فيها إلا الجزء الممتلئ من الكوب ، وعلى أن المشاعر السلبية مشاعر إنسانية وطبيعية جدًا ليدرك حجم الأخطاء والتحديات التي تواجهه وبالتالي تداركها وإصلاحها ، فالفرد يجب أن يتعامل بذكاء مع المردودات السلبية حتى لا تقحمه في آفات ومشاكل أكثر تعقيدًا خاصةً من الجانب النفسي ، فالإيجابية السامة تجرّده من حقه الطبيعي بالتعبير عن ألمه وتوظيف مشاعره في غير محلها مما يزيد في شعوره بالعجز للوصول إلى ذروة الإيجابية .
كما تعد حالة من حالات الإنكار العاطفي حيث أن يتقمص الشخص شعور القوة والراحة في جميع الأوقات ، حتى في أحلك الظروف.
وتتجلى في عبارات متعدد منها : ” كُن إيجابي ” و ” كل شي على مايرام” و…إلى آخره من العبارات التي تلغي مساحته في أن يفرّغ شعوره الطبيعي .
هذه المشاعر من حزن وتوتر وقلق عند حدوث أمرٍ ما والتي نظن بأنها سلبية هي بحد ذاتها تعد إيجابية وهذا لأنها تعيننا على إتخاذ قرارات أكثر حكمة وتفتح مجال أوسع للوعي الذاتي .
ويتخذ هذا النوع من الإيجابية صورًا متنوعة ، حيث تظهر بمواقف مثل :
•فتاة تشكي لوالدتها بالشعور بألم جسدي متكرر ، فترد عليها : لاتكوني موسوسة ، لا تشغلي بالك ، مافيك إلا العافية .
( بدل من أن تُسمع شكواها ، واللجوء لفحص مبكر لتدارك أي مشاكل مستقبلًا )

•صديق يمر بخذلان من شخص مقرّب ويلجأ لصاحبه الآخر للفضفضة ، فيُقال له : لا أحد يستحق حزنك ، تجاهل هالموضوع ، لا تضخم الأمور ”
( فيتحول الحديث إلى مطالبة بالتجاهل والإنفصال عن مشاعره وترك الإحتواء والمساندة )

•موظف يخسر ترقيته التي كان ينتظرها وتأثر نفسيًا ، فيقول له صديقه : لا تقلق وتشيل هم ، على الأقل انت موظف ، كثير يتمنى يكون مكانك .
(القفز لمرحلة الرؤية الإيجابية والكأس الممتلئ قبل السماح بالتعبير عن الحزن أو الإحباط )

•شخص فقد أحد المقرّبين لقلبه مؤخرًا ، فيأتيه أحد معارفه بهذه العبارات بعد الوفاة بأيام قليلة : الله يعوضك بأفضل منه ، ابتسم للحياة حتى تتخطى أسرع ، لا تحزن
( فرض إيقاع للتعافي أسرع من قدرة الفرد الطبيعية مما يخلق شعور بالذنب لأنه لا يستطيع أن يتعافى بشكل أسرع وهنا تجاوز لمشاعر الفقد الطبيعية )

 

“الإصرار على أن نكون سعداء طوال الوقت يشبه إنكار جزء من ذاتنا؛ الألم والحزن جزء لا يتجزأ من الإنسان، والتصالح معه هو بداية الحرية.”
– سوزان ديفيد، المرونة العاطفية (2016) .

كاتبة رأي

 

وداد مسعد العلوي

كاتبة رأي وإعلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى