كُتاب الرأي

دمعةٌ خارج حدود العين

.

دمعةٌ خارج حدود العين 

ليست من العين تلك الدمعة التي تشكلت في سمائي..، مكانها وزمانها غريبين تماما ..، دمعة بلا سبب، دمعة لا تُقاس بفيضها ولا تُوزن بملحها، دمعة خرجت من مكان أبعد من المآقي وأعمق من الجفون، كنت أتحدث مع صديقي العزيز حديثًا عاديًا، لم يكن فيه ما يستدعي البكاء ولا ما يوحي بالتأثر الكبير، مجرد كلمات صافية، تسير بهدوء بيننا مثل نهر صغير لا يعرف العاصفة. وفجأة شعرت بتلك القطرة الرقيقة تتكوّن عند ملتقى الجفنين، دهشت، مسحتها سريعًا، كأنني أخجل من دمعة بلا سبب؛ لكن الغريب أنها عادت ثانية، ثم ثالثة، كأنها تتعمد أن تفضح سري وتعلن عن وجودها رغمًا عني. عندها أدركت أن الأمر ليس مجرد دمعة عابرة، بل رسالة خفية من الداخل ، نبضة روحية خرجت في هيئة ماء.

قلت لصديقي ما أشعر به، فابتسم بهدوء وقال: مصدر هذه الدمعة ليس العين، بل ارتعاشة الصدق حين يهز الروح، دمعتك لم تولد من حزن ولا من فرح، بل من نقاء اللحظة وصفاء الكلمة. عندها أحسست أنني فهمت شيئًا جديدًا عن نفسي وعن العالم، أن الدموع ليست دائمًا علامات ضعف أو قوة، وليست دائمًا نتيجة لفقد أو نصر، بل قد تكون ببساطة اعتراف الروح بأنها ما زالت حيّة، ما زالت قادرة على التأثر، وأنها لم تتحوّل بعد إلى صخرة صمّاء.

هناك دموع لا نراها لكنها تسكننا، دموع تنتظر كلمة صادقة أو لمسة عابرة لتفيض، دموع لا تحتاج إلى حدث جلل بل إلى لحظة صدق فقط. وربما تلك الدمعة التي باغتتني لم تكن سوى صلاة خرجت من أعماقي دون إذن، صرخة صامتة تقول: ما زلت إنسانًا، ما زال في داخلي قلب يعرف كيف يرتجف أمام الحقيقة. كنت أظن أن الدموع نوعان: دموع حزن ودموع فرح، لكنني اكتشفت أن هناك دمعة ثالثة، دمعة الروح، دمعة لا تعبر عن حدث بل عن وجود، دمعة لا تفسَّر بالمنطق ولا تُقاس بالعين، إنها حدث وجودي، علامة سرية على أن الإنسان أعمق مما يظن.

في زمن يعلو فيه التصنّع وتكثر فيه الأقنعة، تصبح هذه الدمعة نادرة، أشبه بكنز خفيّ، فهي تكسر الشكل المألوف وتقول: لسنا آلات، لسنا أرقامًا في سجلات الحياة، نحن أرواح تنبض، أرواح تستطيع أن ترتعش أمام صدق صغير أو كلمة عابرة. إن هذه الدمعة ليست من العين، إنها توقيع الروح على صفحتها البيضاء، إقرارٌ صامت بأنها ما زالت تتنفس. وكلما حاولت أن أمسحها كانت تعود، كأنها تصرّ على أن تبقى، كأنها تريد أن تذكرني أنني مهما انغمست في صخب الأيام ما زلت قادرًا على النقاء.

إنها دمعة لا تفسَّر ولا تُشرح، دمعة لا تحتاج إلى مبرر، لأنها ليست من العالم الخارجي بل من الداخل العميق، من تلك المساحة التي يسكنها السرّ الإنساني الكبير، حيث يمتزج الصدق بالدهشة، والروح بالخلود، والإنسان بما يتجاوز جسده. دمعة ليست من العين، بل من القلب حين يصدق، ومن الروح حين تستيقظ، ومن الإنسان حين يتذكر أنه ما زال إنسانًا.

في النهاية ارحموا مشاعرنا أيها الأحباب المقربون؛  فأرواحنا تستجيب لكم وتعيش معكم كلما أرسلتم ودكم ومحبتكم وأشواقكم ودعواتكم الخالصات صدقا وصدقا .

شكراً صديقي العزيز النادر..لقد بعثت دمعتي  العذبة من العين فأمسحها أنت ولتبوء بأجري وأجرك …

بقلم د.عبدالرحمن الوعلان، معد برامج تلفزيونية وكاتب.

الدكتور عبدالرحمن الوعلان

كاتب رأي ومسرح ومعد برامج ومشرف في ظلال المشهد المسرحي وخبر عاجل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى