كُتاب الرأي

الكبار : ظلال الحكمة وذاكرة الزمان

الكبار : ظلال الحكمة وذاكرة الزمان

سويعد الصبحي 

حين يذبل عود الشباب ويغدو الجسد مثقلاً بأثقال السنين يطلّ الكبار كظلّ وارفٍ على قلوبنا هم خريف العمر الذي يزهر حكمة وشتاء الأيام الذي يدفئ بالحنين.
في وجوههم خرائط الزمان وفي أعينهم بقايا الأمل وفي أصواتهم رجع التجارب التي لا تبلى.
هم الذين تعبوا لنستريح وغرسوا لنحصد وفتحوا لنا دروب الحياة حتى نمشي على أرضٍ ممهدة بالعرق والصبر.
الكبير ليس شيخًا واهنًا بل تاريخًا ماشيًا على قدمين يختزن بين تجاعيده قصصًا ويخفي خلف ابتسامته انتصارات وانكسارات.
من يكرّم الكبير يكرّم العمر ومن يوقّره يوقّر نفسه.
فمنحهم الحب هو اعتراف بالفضل والجلوس إليهم هو استسقاء من نهرٍ لا ينضب.
في حضورهم نتعلم أن الزمن ليس عدوًا بل معلمًا وأن الضعف ليس عجزًا بل لغة أخرى للقوة.
وإذا كان الشباب هو دفقة الحياة الأولى فإن الكِبَر هو حصادها الأخير وما بينهما تتكامل الحكاية فلا قيمة لبداية بلا نهاية ولا معنى لنهاية بلا جذور.
الأسرة من دون كبيرٍ بيت بلا روح ودار بلا ذاكرة.
إنهم عمودها الراسخ إن ضعف الجسد ظلّ القلب صلبًا وإن خانت القوة بقيت الحكمة سندًا. يحتاجون منّا إلى عناية الجسد وإلى دفء الروح
إلى الدواء كما إلى الدعاء وإلى الحب كما إلى الهواء.
حديث الكبار ليس كلماتٍ عابرة بل أنغامٌ منسوجة بخيوط التجربة.

2 / 2
مجالستهم تفتح نوافذ على زمنٍ مضى وتضيء قناديل لما هو آتٍ. من يصغي إليهم يستعير أعمارًا غير عمره ومن يعرض عنهم يخسر كنزًا لا يُشترى.
فإكرام الكبير ليس فرضًا اجتماعيًا بل وفاءٌ إنساني وجمالٌ روحي ورسالةٌ خالدة تقول:
(كما تفعلون يُفعل بكم).
من أحسن إلى الكبار أحسن الله إليه ومن جفاهم جفاه الزمان. يرحلون يومًا لكن تظلّ آثارهم حيّة كنجومٍ غابت عن العيون وما زال نورها يملأ السماء.

كاتب رأي 

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى