كالعطر …. هم

كالعطر …. هم
التعامل مع البشر يشبه كثيرًا رحلة استكشاف طويلة في عالم العطور؛ كل شخص يحمل بصمته الخاصة، ورائحته التي تميّزه، وتركيبته الفريدة التي قد تُبهرك أو تُربكك أحيانًا. البشر، مثل العطور، ليسوا نسخة واحدة ولا طيفًا واحدًا من الروائح، بل هم عوالم متشابكة من المشاعر والأفكار والتجارب التي تحتاج إلى بصيرة وذكاء عاطفي لفهمها والتعامل معها.
منهم من يبهرك بحضوره الآسر كما يفعل عطر شرقي فاخر؛ يترك أثرًا عميقًا في قلبك وذاكرتك. ومنهم من يشبه العطور الخفيفة ذات النغمات الزهرية؛ يمرّ برقة، ويمنحك شعورًا لطيفًا بالارتياح دون أن يفرض نفسه. وهناك من يشبه العطور النفاذة القوية، التي قد تثير إعجاب البعض لكنها تُثقل أنفاس آخرين.
فن التعامل مع البشر يقوم على إدراك هذه الفوارق، تمامًا كما ندرك أن لكل عطر وقتًا ومكانًا يناسبه. فليس كل شخص يصلح لمرافقتك في كل المواقف، كما أن ليس كل عطر يناسب جميع المناسبات. يحتاج الأمر إلى حكمة؛ أن تعرف متى تقترب ومتى تبتعد، متى تصغي ومتى تتحدث، ومتى تمنح الآخرين مساحتهم الخاصة ليبقوا كما هم.
كما أنّ العطور تُختار وفق ذوق شخصي، فإن علاقات البشر تقوم على الانسجام والتوافق. قد تجد شخصًا يتطابق مع روحك وكأنكما تركيبة متناغمة، وقد تصادف آخرين لا تستطيع احتمالك لطباعهم مهما حاولت. لكن القيمة الحقيقية تكمن في تقبّل التنوع البشري وإدراك أن الاختلاف لا يعني الصدام، بل قد يكون مصدر إلهام وتعلّم.
البشر، مثل العطور، يتركون أثرًا بعد رحيلهم؛ منهم من يترك في حياتك بصمة طيبة تُنعش قلبك كلما تذكرتها، ومنهم من يترك أثرًا ثقيلًا تحتاج وقتًا طويلًا للتخلص منه. وهنا تكمن الحكمة في أن تدرك أن التعامل مع الآخرين فن يحتاج إلى وعي داخلي وصبر، لتبقى متوازنًا وسط كل هذه الروائح المختلفة التي تعطر أو تعكر مسيرة حياتك.
أ. أماني الزيدان كاتبة مسرحية
دكتور عبد الرحمن …، كلماتك العميقة وقراءتك المرهفة للنص هي في حد ذاتها لوحة أدبية تزهر بالمعنى وتزيد النص جمالًا. أثمّن هذا الإطراء الثمين الذي يلامس القلب، وأشكر لك تذوقك الرفيع وحضورك الوفي الذي يمنح الحروف حياةً أخرى.
شكرًا…والشكر لك واجب
مقالكِ أستاذة أماني الزيدان يعكس حسًّا إنسانيًّا عميقًا وقدرةً أدبية آسرة على تحويل الفكرة إلى لوحة شعورية نابضة بالحياة تشبيه البشر بالعطور كان إبداعيًّا وملهمًا؛ إذ فتح آفاق التأمل في العلاقات الإنسانية بطريقة شاعرية وفلسفية في آنٍ واحد. لقد منحتِ الكلمات رائحةً ومعنى، ونسجتِ منها نصًّا يلامس الوجدان ويثير الفكر، حتى بدا القارئ وكأنه في رحلة استكشاف هادئة بين عبق الحروف وأطياف المعاني..