كُتاب الرأي

أنت كفو ..

أنت كفو ..

فيصل مرعي الكثيري 

على منصة إكس، كتب الأستاذ سعيد الناجي فكرة تستحق أن تُلتقط؛ أن تُخصِّص إحدى القنوات السعودية برنامجا بعنوان ((أنت كفو))، يكرّم فيه أصحاب الكفاءة والإنجاز الحقيقي، أولئك الذين صاغوا بصمت ملامح حياة الناس دون أن يتسابقوا على الأضواء. وليس في الخليج غياب عن مثل هذه التجارب. فقد شاهدنا في البحرين برنامجا يحمل الاسم نفسه، يكرّم شخصيات عادية صنعت أثرا عظيما، وكانت حلقاته تقوم على عنصر المفاجأة الإنسانية. وفي الكويت ظهر مشروع رقمي بعنوان ((كفو)) عبر منصات التواصل، يعرض قصصا شبابية ملهمة ويمنحها مساحة من الضوء. هذه المحاولات أثبتت أن الجمهور يتفاعل مع التكريم حين يكون صادقا، وأنه يجد نفسه في قصص الناس البسطاء أكثر مما يجده في صور الدعاية السريعة.
غير أن السعودية الحبيبة بما تملكه من ثقل إعلامي ومجتمعي، قادرة على أن تجعل من الفكرة مشروعا وطنيا يتجاوز حدود الموسم أو المنصة. أن يكون لدينا برنامج يقدّم المعلّم الذي غرس القيم والعلم في أجيال متعاقبة، والطبيب الذي سهر على مرضاه، والمتطوع الذي أعطى وقته وجهده بلا مقابل، والباحث أو المبدع الذي ترك أثرا في مجاله. هؤلاء هم الذين يحتاج الإعلام أن يعرّف بهم المجتمع، لا أولئك الذين لا يملكون من النجاح إلا صورته السريعة.
إن برنامجا كهذا لن يملأ فراغا في جدول البث، بل سيؤسس لثقافة جديدة؛ ثقافة الاعتراف بالاستحقاق. فحين يرى الشباب أن التكريم يُمنح على أساس العمل والإخلاص، يدركون أن الطريق مفتوح أمامهم، وأن الجهد لا يضيع وإن تأخر الاعتراف به. هذه هي الرسالة التي تحتاجها الأجيال لتبقى ثقتها راسخة بأن النجاح عمل لا صدفة، ومسيرة لا صورة.
وأثر البرنامج على المدى البعيد لا يتوقف عند حدود الشاشة. فالتكرار يصنع ذاكرة جماعية جديدة، تعوّد الناس أن يروا القدوة في المعلّم والمتطوع والمبدع، لا في الوجوه المصنوعة من أضواء الكاميرا. ومع مرور الوقت يتحوّل هذا الوعي إلى معيار اجتماعي، يوجه اختيارات الشباب ويغرس فيهم اليقين أن التقدير ينتظر الجادين. كما يخلق بيئة تنافس إيجابية تُحفّز على الإبداع والابتكار، وتمنح المجتمع طاقة متجددة تترجم إلى مشاريع حقيقية ونجاحات متراكمة. وهكذا تصبح قصص النجاح جزءا من الهوية، تُروى للأجيال كما تُروى بطولات التاريخ.
تحويل هذا المقترح إلى واقع ليس خيارا جانبيا، إنما استثمار في وعي الأمة وحافز للأجيال المقبلة. فالمجتمع الذي يكرم كفاءاته يكرم نفسه، ويحفظ حيويته ضد التكلس والجمود.
ولكل من مشى طريقه بالإصرار، وصنع مجده بالعمل الصامت، نقولها كما أرادها صاحب الفكرة: أنت كفو.

كاتب رأي

فيصل مرعي الكثيري

أديب وكاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى