كُتاب الرأي

نبضات شاعر

..

نبضات شاعر..

بقلم/ د. عبدالإله محمد جدع

عفو لا يتخطى أسوار الكرامة..
كثيرًا ما يُرفع شعار التسامح، ويُردَّد ليل نهار.. وكأن الصفح هو الحل الأوحد لكل الجراح!!. وكأن التنازل عن الحق فضيلة في كل حال.. غير أن الآيات القرآنية، قبل التجربة الإنسانية، تهمس لنا بأن هناك حدودا لا يجوز تخطيها، وخطوطا حمراء مرسومة بمداد الكرامة والحق.. إن مطالبة المظلوم أن يعفو وترك الظالم يتمادى.. ليست دعوة إلى التسامح بقدر ما هي دعوة إلى تثبيت الظلم.. وهذا لا يتفق مع روح العدالة التي جاء بها المشرع.. فالصفح في محله نور، لكنه إذا جاء على حساب الكرامة صار انكسارا.. وإذا جاء على حساب الحقوق صار استسلاما..

الميزان القرآني..
القرآن الكريم لم يجعل العفو فرضا في كل حال، بل أعطى للمظلوم حقه في الرد والإنصاف، قال تعالى:
{لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِم} وفي هذا النص تصريح بحق المظلوم في التعبير عن ألمه والمطالبة بحقه.. دون أن يُلزم بكتمانه تحت دعوى “التسامح”..
وقال سبحانه:
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ}.. وفيه إثبات واضح أن الانتصار للنفس بعد الظلم ليس مذموما، وإنّما هو حق مشروع..
وفي الوقت ذاته، جعل الله العفو مقاما أرفع إذا كان مقرونا بالإصلاح، فقال:
{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
إشارة إلى أن العفو هنا ليس ضعفا ولا تنازلا عن الحق.. بل قرارا راشدا يهدف إلى إصلاح النفوس وكسر دائرة الشر..

التسامح العادل..
التسامح قيمة عليا.. لكن لا قيمة لها إن جاءت على أنقاض الحق.. فالعدل أساس العمران، والتغاضي غير المشروط قد يُنتج ظالما أشد بطشا.. ففي ميزان القيم الدينية والتجارب الانسانية.. يأتي العفو وسطا بين انتقام غاشم واستسلام خانع..

ويقول “أرسطو”: الفضيلة وسط بين طرفين،.فالعفو الصحيح.. هو ذاك الذي يصدر من قوة، لا من عجز.. ومن إدراك أن الصفح هنا أبلغ في الإصلاح من العقوبة..
أما حين يكون الظلم متماديا، فإن إنصاف النفس واجب لحماية حدود الكرامة.. وإلا تحوّل التسامح إلى أداة في يد الطغيان.. والمطالبة بالحق والرد على الظلم مشروع بنص القرآن.. كما أن الصفح المقرون بالإصلاح هو العفو الحقيقي.

كاتب رأي 

 

الدكتور / عبدالإله محمد جدع

أديب وشاعر وكاتب رأي سعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى